يبدو الأمر وكأنه موضة؛ فما أن يحدث خطأ ما في وزارة ما حتى يبادر البعض إلى دعوة الوزير المعني لتقديم استقالته، وكأن الوزير هو سبب حدوث المشكلة، وكأن استقالة الوزير يمكن أن تحل المشكلة أو تؤدي إلى عدم تكرارها.
دعوة أي وزير إلى تقديم استقالته عند حدوث أي مشكلة في وزارته أو اكتشاف تجاوز ما تشبه تماماً الدعوة إلى طرد مدرب فريق كرة القدم مباشرة مع إطلاق الحكم الصفارة النهائية للمباراة التي خسر فيها الفريق الدوري أو الكأس، والغريب أنه يتم بالفعل الاستغناء عن المدرب فوراً من دون النظر حتى إلى أنه كان السبب الأساس في وصول الفريق إلى المباراة النهائية، ومن دون وضع تقصير الفريق في تنفيذ خطة المدرب في الاعتبار!
يتوفى مريض لسبب أو لآخر فينبري من يدعو إلى إقالة وزير الصحة، وكأن الوزير هو من قبض روحه! يسقط تلميذ في المدرسة أو يتشاجر طالبان فتتم دعوة وزير التربية إلى الاستقالة، يصرح وزير حقوق الإنسان تصريحاً لا يرضي البعض فتتم دعوته إلى تقديم استقالته، يتم اكتشاف فساد في وزارة ما فيبادر البعض إلى دعوة الوزير لتقديم استقالته، وهكذا مع حدوث كل خطأ أو تجاوز يحدث في أي وزارة من الوزارات.
لنحسب الأمر ببساطة؛ يحدث خطأ طبي مثلاً فتتم الدعوة إلى استقالة وزير الصحة. الوزير يستقيل فتقبل استقالته. ويتم تعيين وزير جديد بدلاً عنه. هل الوزير الجديد يستطيع أن يمنع حدوث الأخطاء؟ أو يمنع حدوث وفيات بين المرضى؟ الأكيد أنه لا يستطيع ذلك. ما الذي يمكن أن يحدث حينئذ؟ تتم دعوته إلى الاستقالة. يستقيل ويتم تعيين آخر، ليدعى هو الآخر إلى تقديم استقالته مع أول خطأ يحدث في الوزارة.. هل هذا معقول؟ الأمر نفسه ينطبق على الوزراء الآخرين والوزارات الأخرى.
الوزير بشر، والعاملون في أي وزارة بشر أيضاً، ولا يوجد بشر لا يخطئ، وحصول الخطأ ليس أمراً غريباً طالما كان هناك من يعمل. الغريب هو دعوة الوزير إلى تقديم استقالته فور حصول أي خطأ وكأنه مطلوب من الوزير أن يقف حاملاً في يده عصا ومنظاراً يراقب كل موظف في كل ساعة! فإن أخطأ الموظف وضع الوزير يده على قلبه!
نعم هناك أخطاء كبيرة لا يمكن التجاوز عنها ويستحق الوزير بسببها العقاب، من ذلك على سبيل المثال تورط الوزير نفسه في الفساد، ومنها إهماله وتقصيره في المراقبة أو المتابعة وعدم اهتمامه، وحالات أخرى إدارية تفصيلها متوفر لدى الجهات ذات العلاقة. لكن ليس معقولاً ولا مقبولاً دعوة الوزير إلى تقديم استقالته فور حصول أي خطأ لأن الاستقالة هنا لن تؤدي إلى حل المشكلة، كما أنه لا يمكن عملياً تحميل الوزير كل أخطاء العاملين في وزارته.
يحدث في بعض الدول أن تستجيب الحكومة لهكذا دعوات فتتم إقالة الوزير أو تقبل استقالته إن قدمها، هم يعرفون أن ذلك لن يحل المشكلة ويعرفون أن الوزير الذي سيحل محل الوزير المستقيل أو المقال سيتعرض للأمر نفسه، لكنهم يفعلون ذلك إرضاء للجمهور، وفي الغالب لأسباب سياسية. هذا أسلوب موجود في بعض الدول لكنه لا يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار وفوضى الأداء في الوزارات، حيث الوزارة التي يتناوب عليها الوزراء واحداً في إثر آخر لا يتوفر فيها الاستقرار وتتراكم فيها المشكلات، فالوزير الجديد مهما كان بارعاً يحتاج إلى عدة شهور كي يتكيف مع الوزارة الجديدة ليعرف أسرارها ومشكلاتها.