إخواننا جماعة «الإخوان» في البحرين، حين توضع أي جماعة سياسيــــة موضــــوع المحــــك أو الامتحان الوطني إن هي تسلمت زمام الأمور في أي موقع سياسي داخل السلطات الدستورية الثلاث أو خارجها، فإن الاستحقاق الوطني يبرز للسطح وتشرئــب الأعنـــاق لقياس المصداقية في الشعارات المرفوعة قبل الوصول، واليوم فتح باب الامتحان واشرأبــــت الأعناق لترى وتقيس وتمتحن موقف «الإخوان» كحزب سياســـي في حال مسكهم زمام الأمور في أي موقع قيادي سياسي.
وإبراء للذمة ننبه إلى أن أمـــام الإخوان المسلمين في البحرين فرصة ثمينة كي يستفيدوا من أخطاء غيرهم، ويتعلموا كيف يتجنبونها، رغم أن كل الشواهد مازالـــــت تؤكــــد أن «التركيبــــة الحزبيــــــــة» و«مكيانيزيمـــــة» التأسيس المتشابهة بينكم وبين جماعات عقائدية أخرى كجماعة الولي الفقيه، قد تقودكم لنفس المصير، لذا ننبه إلى بعض الحقائق لأننا نخشى أن تقعوا مثلها في حفر تم تنبيه غيركم لها لكنهم كابروا وأبوا إلا المضي قدماً فيما هم فيه يعمهون.
أثبتت أحـــداث البحريـــــن أن أي مجموعـــة سياسيـــة تتحـــــرك «كجماعة» لا كحزب سياسي وطني فإنها تكون منبعاً ومصدراً لفتنة وانقسام وطني، خاصة إذا كانت هذه المجموعة لها بعد عقائدي، وها أنتم تشهدون كيف قسمت مجموعة «ولاية الفقيه» البلد إلـى أكثر من قسم وفتته حيث فشلت في بناء حزب سياسي بحريني وطني في تشكيلها وطرحها وحراكها الميداني، ولهذا لا يمكن أن يكتب «النجاح السياسي» لهــا ولا لكم ولا لأي مجموعة سياسية تتحرك كجماعة عقائدية تشكل العقيدة إطاراً جامعاً لها يحدد مستوى وطبيعة قراراتها المتخذة.
وإذا قارنا التجربة المصرية سنجد أن دور حـــراك جماعـــة الإخــــوان المسلمين كجماعة لا كحزب، كان سبباً من أسباب الانقسام الوطنـي في مصر.
ثانيــاً: أثبتت أحداث البحرين أن التفاعل والتعاطــي الأجنبــي الخارجي لأطراف تنتمي لذات العقيدة مع المجموعة المحلية، ليست إضافة ولا مصدر قوة كما توهمت الوفاق مثلاً، بل هو سبب من أسباب انفصالها وانعزالها عن النسيج المحلي على حساب تقوية الروابط الأجنبية، وســـواء كانت درجة التعاطي الأجنبي معها قيادة ومرجعية دينية، أو كانت شبكة عمل تنسيقية تنظيماً ودعماً لوجستياً، أو حتى كانت مجرد تعاطـف إعلامــي، إلا أنهـــا تمد جسوراً إلى الخارج على حساب الجسور المحلية.
أبعدت جمعية الوفاق عن نسيجهــا البحريني رغم أنها المفروض جمعية سياسية بحرينية، إنما خسرت الكثير من مصداقيتها الوطنية بسبب أن مرجعيتها وقيادتها إما إيرانية أو عراقية، خسرت لأن هناك شبكة تنسيق ودعم لوجستي أجنبية عملت معها ومولتها في الكويت والعراق والأحساء والقطيف ولندن ولبنان والولايات المتحدة الأمريكية، فقدت بوصلتها الوطنية تماماً حين سخر إعلام عقائدي غير بحريني كل إمكانيته للاصطفاف معها، فما نفعها هذا الامتداد الخارجي إلا في الخارج، أما محلياً فكان عاملاً من عوامل انفصالها وانعزالها وتقوقعها وبعدها عن الواقع والأرضية المشتركة للنسيج المتنــوع والمتعـــدد البحرينــــي، وعامل شك وفقد للثقة بينها وبين بقية أبناء البحرين.
أنبهكم أن «إخوان مصر» ارتكبوا ذات الأخطــــاء التــــي ارتكبتها مجموعة الولي الفقيه في البحرين، وعملت شبكة الإخوان العربية على تقييد مصر وربطها بمصالحهـــا القوميـــة أكثــر من مصالح مصر القومية، وها هي النتيجة أمامكم فشل سياســي مدوٍّ، حتى لا يقال إن الفشل كان بسبب فساد العقيدة عند طرف وصلاحها عند طرف آخر.
أما أكبر أخطاء الاثنين معاً هو اعتقادهمــا أن كـــل مـــن يلفـــت انتباههما هو عدوهما لأنه علماني أو صهيوني أو أمريكي.. إلخ.
لقد عجز الاثنان عن قراءة العديد من المؤشرات الخطرة لأنهم اعتادوا الاستنفار والفزعة إن مس أحدهما بكلمة انتقاد أو سوء، نظام «الفزعة» الغالب عليهم في استنفارهما الجماعي لأي مساس بأي طيف «إخواني» عربياً كان أم خليجياً، جعلهم لا يبصرون أخطاءهم ولا يفتحون آذانهم ولا يقبلون حتى نقداً ذاتياً داخل دوائرهم، وكذلك المساس بأي طيف «ولائي» دون النظر في أصل الحكاية أو التمعن في وجهات النظر الأخرى أو الاستماع إلى المتضررين الآخرين، أضعف عندهمــــا آليـــة النقـــد الذاتـــي التصحيحية فانهار البناء من الداخل.
إنهــــــا «الفزعـــــة» التــي أودت بمجموعة الوفاق ومعهم جزء كبير من جماعتهم، وهي الفزعة التي ستودي بإخوان مصر الذين «تفازعوا» بلا تمحيص لاحتمال وقوع الخطأ من جانبهم، فكانت العزلة التامة والانقطاع التام فننبهكم لها.
كتبنا ناصحين كثيراً «لجماعة» الوفـــــــــــــاق لتنبيههــــــــــــم لهـــــذه السيناريوهات حين قرروا دخول المعترك السياسي كحزب، بعد أن سجلوا أنفسهم ضمن قانون الجمعيات السياسية، دون النظر إلى اختلافاتنا العقائدية، كتبنا ننبههم لتلك الأخطاء من أجل مساعدتهم على تخطي حاجز «الجماعة» والانخـــــراط بالنسيج السياســي المحلي والتفاعل معه بإيجابية لا تضرها الخصومة السياسية أبداً، لكنهم أشاحوا بوجوههم وها هم الآن في عزلة ما بعدها عزلة.
أثبتت 4 سنوات من المشاركة البرلمانية أن المجموعة حين تخلع القبعة العقائدية وتدخل المعترك السياسي بأجندة محلية صرفة قادرة على تذويب الكثير من الحواجز، لكنها -مع الأسف- كانت 4 سنوات سمان سبقتها 4 سنوات عجاف وستليها 4 سنوات عجاف «مضى منها سنتان ونيف».
اليوم الدروس والعبر موجودة ومرميــــة علـــى قارعـــة الطريـق تتدارسونها وأنتم بوضع مريح بلا ضغوط، وموجودة أمام كل المجموعات السياسية أو الجمعيات السياسية البحرينية ذات البعد العقائدي، ولكم أن تختاروا إما أن تدخلوا المعترك السياسي مستفيدين من هذه الأخطاء وأن تتجنبوها وإما أن الحفر جاهزة وبانتظار وقوعكم فيها.
ملاحظة:
«رتــــــــــوش المحليـــــــــــة» و«ديكــورات التعدديــة» التــــي تـــم استخدامهـــا سابقاً كلها مفضوحة ومكشوفــة، الضحــــك علـــى الذقـون ببعض المكيــــاج البحرينــــــــــي لا يغطــــــــــــي التشوهات.
ملاحظة ثانية:
اقرؤوا بحياد قبل أن تردوا بلا حيـــاد، فبإمكانكــم الفزعة والرد الدفــاعي السريع والإنكار وربما الهجوم ولكن ذلك لا يغير من الأمر شيئاً.
ملاحظة ثالثة:
كل ما ورد لا ينفي موقف الإخوان البحرينيين الوطني مما تعرضــت لـه البحريــن مــن أزمـــة كـــادت تودي بها للهلاك لولا ستر الله، وصمود شعبها ومنهـم «الإخوان المسلمين».