اعتدنا رؤية جماعات ما يعرف بـ»المعارضة» تسعى في خطاباتها إلى محاولة الظهور بالمظهر الرافض للتخريب والداعي للسلمية، لكنها كانت دائماً ما تدافع عن المخربين وتهاجم أي إجراء قانوني يواجههم، بل وتقدم لهم المبررات والغطاء السياسي والتحفيز القائم على أنهم ينتمون لأغلبية محاربة مضطهدة ويجب عليها أن تدافع عن نفسها وحقوقها ووجودها!
كان ذلك يحدث مراراً وتكراراً في خطابات وخطب ومناسبات دينية ووطنية وغيرها، مما أسس لثقافة تتخذ من العنف أداة مسموحاً بها وتستتر خلف مطالب سياسية وحريات وتحولات ديمقراطية، وأخيراً تحت عباءة «الخريف» العربي، وكان منهج «المعارضة» الدائم محاولة الخروج على القانون وكسر هيبة الدولة وتحدي مؤسساتها الأمنية والدستورية وحتى إرادتها الشعبية، ومنهم من جاهر وفاخر ودعا لذلك علناً من داخل وخارج البحرين، كل ذلك في سبيل تحقيق أهدافها ولو على حساب ضرب كيان الدولة واقتصادها ونشر الكراهية والطائفية وتخريب الممتلكات وتعريض حياة الناس للخطر من كل الأطراف، فلم يتوانوا حتى عن تعريض حياة شبابهم المغرر به لخطر الموت أو الإصابات أو الاعتقال في مواجهات مع قوى الأمن بحثاً عن المتاجرة بدمائهم!!
بناءً على ذلك لم تدخر الجماعات الراديكالية المحسوبة على «المعارضة» بكل أشكالها وأدوارها جهداً في سبيل نشر التخريب والترهيب والفوضى، فقد كان الانفلات الأمني خطاً ثابتاً مشوا عليه، تعود جذوره إلى منتصف التسعينات وصولاً إلى بداية الثمانينات، وإن بشكل أقل حدة وانتشاراً وتأثيراً، فالزمن تغير وتغيرت معه الأدوات والتكتيكات، والأكيد أنها أصبحت أكثر عدوانية وخطراً.
ما يحدث اليوم من تفجيرات في أماكن حيوية وأحياء سكنية ومناطق ذات غالبية من طائفة واحدة، كتفجير سيارة في الرفاع والبديع والاعتداء على بيوت المواطنين، ما هو إلا تكريس لمبدأ العنف الذي كان على شكل مواجهات داخلية، عادة ما تكون مع رجال الأمن وفي مناطقهم التي يعاني سكانها من سطوة المخربين وما يجرونه عليهم من ويلات، فتحولوا إلى نقل كل ذلك إلى حيث الأهالي من الطائفة الأخرى، في محاولة مفضوحة لجر البلاد إلى فوضى تمهيداً لـ14 أغسطس، بعد أن عجزوا على مدار عامين ونصف من تفجير الوضع الأهلي، رغم كل عمليات قطع الطرق الرئيسة والحرق والتخريب، فجاءت خطوة جديدة وهي الوصول إلى قلب الأماكن «السنية» طلباً لصدامات ومواجهات أهلية قد تبدأ صغيرة وعشوائية وتنتهي إلى شكل واسع يخلط كل الأوراق السياسية ويمهد لواقع جديد بعد أن فشلوا في تحقيق ذلك عام 2011.
من المهم قبل الإفاضة؛ الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من أبناء الطائفة «الشيعية» ترفض تماماً مبدأ الانجرار إلى مصادمات أهلية طائفية، بغض النظر عن موقفهم السياسي «فمنهم الداعم لموقف المعارضة ومنهم الرافض لها، ولمخططاتها ومنهم المتضرر منها، ومنهم المقموع بسطوتها وفيهم المخدوع بخطاباتها» لكن غالبيتهم يرفضون التخريب ويرفضون قطعاً فكرة الصدامات الأهلية، حالهم حال كل أبناء البحرين من كل الطوائف، والذين عاشوا بسلام ووئام لمئات السنين قبل أن تبتلينا الأيام بالثورة الإيرانية وأطماع الولي الفقيه، التي تغلغلت في دولنا وتبنتها جماعات انتحلت الحراك السياسي وعملت على تطبيقها من خلال اختطاف وعي وإدراك الشارع وتغييبه وشحنه بالمظلومية والثورية والفداء والنصرة، وما إلى ذلك مما لا يستقيم مع الواقع ولا مع العمل السياسي أو المؤسساتي تحت عباءة الدولة المدنية التي يدعون لها ويفعلون المستحيل لتعطيلها!!
إن الموقف اليوم خطير جداً، وقد لا تسلم الجرة كما سلمت في المرتين السابقتين، وقد يؤدي تفجير سيارة أخرى، لا قدر الله، إلى وقوع ضحايا من المدنيين الأبرياء سواء في منطقة شيعية أو سنية، والأمر في الحالتين مرفوض وخطير، لكن خطورته تزداد لو حدثت في منطقة سنية لأنها ستؤجج الغضب وتكرس الطائفية وتشعل نارها، وستصعب من مهمة احتواء الموقف الأهلي تحديداً، فالوضع الأمني رغم كل ما حدث إلى الآن هو تحت السيطرة، لكن السلم الأهلي إن ضرب في مقتل فستكون عواقبه وخيمة وصعبة الاحتواء، لم تستطع دول كبيرة ممتدة في مساحاتها كالعراق وسوريا على تحمل تبعاتها؛ فكيف بدولة في حجم البحرين، تفصل المسافة فيها بين الرفاع وستره خمس دقائق بالسيارة!! ولنا أن نقيس ذلك على كل مناطق البحرين بقراها ومدنها المختلط منها والمعروف بصبغة محددة.
- شريط إخباري..
مازالت الكرة في يد «المعارضة» ومرجعيتها الدينية لتدارك هذه المغامرة المهلكة، لكن هؤلاء المتعطشين للسلطة منذ بداية نشأة تنظيماتهم السرية انتهجوا سياسة العنف بين الحين والآخر، واستغلوا الحراك الشعبي الذي خلقوا قناعاته على مدى ثلاثين عاماً بعمل مدروس ومتواصل وتخطيط ودعم خارجي وتحالفات امتدت لدول كبرى ومنظمات دولية، هل من المرجح أن يعودوا عن كل ذلك؟! تبدو الإجابة بالنفي هي الأقرب، لذلك فإن علينا جميعاً نحن أبناء البحرين المخلصين -سنة وشيعة- أن نقطع الطريق أمامهم ولا نحقق هدفهم، وهو خلق فوضى أهلية تقود لتدوير قضية البحرين كما حدث ويحدث في دول عربية مجاورة بأشكال مختلفة.