ملخص ما يجري في البحرين حالياً هو أن «المعارضة» أو المحسوبين عليها أو أولئك الذين يستظلون بظل هذه اللافتة وإن كانوا دون العلم بماهيتها يقولون إن «تمرد البحرين قادم في 14 أغسطس.. وإن زمن الكلام انتهى»، والحكومة تقول أيضاً إن «الكلام انتهى وسنتخذ تدابير لتطبيق القانون»، الأمر الذي يوحي بالتصعيد وارتفاع حدة المواجهات.
ليس معروفاً سبب التصعيد المفاجئ من قبل «المعارضة» إلى الحد الذي لاحظ الجميع جرأة تصريحات أمين عام الوفاق الذي تقدمه «المعارضة» كمعتدل، حيث قال في تجمع لبعض أهالي مدينة حمد قبل أيام وبعد قرار الداخلية منع مسيرتين كانت الجمعيات السياسية ترغب في تسييرهما في شارعين رئيسين في البحرين، إنهم سيخرجون إلى الشوارع للتظاهر حتى لو ووجهوا بالرصاص، وتصريحات أخرى ملخصها أنه «لن تهدأ العاصمة»، وأن التظاهر في العاصمة حق وغاية لا يمكن التفريط فيهما.
التصعيد بدأ مع انطلاق دعوة ما صار يعرف بـ«ائتلاف فبراير» بفكرة تمرد 14 أغسطس لتكون على غرار ما حدث في مصر أخيراً وأدى إلى تغيير نظام الحكم فيها، حيث بدأ الائتلاف في الترويج لليوم الموعود في محاولة لإعادة شحن العامة بعدما شعرت «المعارضة» أن رصيدها بدأ ينفد، وأن كل ما قامت به في السنتين الماضيتين في طريقه إلى الزوال. التصعيد وصل إلى الوفاق التي من الواضح أنه لم يعد أمامها خيار سوى السير في المتاهة التي يأخذها إليها الائتلاف وهي مغمضة العينين، فدونه خسارة الشارع و«التاريخ». ولأن الحكومة لم تفاجأ هذه المرة كما تفاجأت في فبراير 2011 لذا قررت أن تواجه هذه المحاولة بقوة وتمنع العودة إلى المربع الأول وقررت عدم السماح بأخذ الحقوق بـ«الذراع».
وسط هذه التصريحات المنبئة بمواجهة صعبة مقبلة وبأيام لا تسر ومعروف مسبقاً أنها لن تؤدي إلى انتصار طرف على طرف، فلا «المعارضة» يمكنها إسقاط النظام ولا الحكومة يمكنها إسقاط «المعارضة»، ولن يتضرر من تلك المواجهات سوى الشعب الذي ما عاد يطيق الحال التي صار فيها ويبحث عن الاستقرار ويريد التفرغ للبناء، وسط كل هذا يبرز سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة عبر تصريحات تعبر عن اعتداله ونظرة القيادة الثاقبة ورؤيتها المستقبلية فيدعو إلى التحلي بثقافة الشجاعة على الاعتذار وإلى عدم المكابرة في التفرد بالرأي -وهو ما يلاحظ بوضوح عند بعض القيادات المجتمعية- بغية بناء الثقة مع الغير، وينبه إلى أنه يكفي فقدان للفرص وللمكاسب وللقيم وللأمان ويصر على أن القانون سوف يسري على الجميع وليس على فئة دون أخرى وبعدالة. هذه التصريحات التي أدلى بها سموه خلال زياراته للمجالس الرمضانية أضيف إليها قوله إن هناك عملاً متواصلاً لإيجاد حل توافقي من خلال طاولة الحوار، وإن أي حلول لن تقر إلا بتوافق جميع الأطراف على تلك الطاولة وإن الخيار الآن واضح أمام القيادات المجتمعية وهو الوصول إلى حل توافقي، حيث خيار العنف والإرهاب مرفوض وسوف يطبق معه القانون بحزم.
هناك إذاً فرصة لمنع المواجهة المتوقعة ووقف التصعيد وذلك بعدم المكابرة والتحلي بشجاعة الاعتذار وبالعمل على بناء الثقة مع الغير والركون إلى طاولة الحوار بغية الوصول إلى حل توافقي، وقبل هذا وبعده نبذ العنف والإرهاب، فلا حوار وسط العنف والأعمال الإرهابية، ولا حلول وسط غياب الثقة وبعيداً عن ثقافة الاعتذار عن الخطأ.
الحزم الذي بدت عليه الحكومة أخيراً مطلوب، ومطلوب عدم السماح ليد العبث أن تمتد لمكاسب الوطن، ولكن مطلوب أيضاً الاستمرار في الكلام المفيد في ما بيننا، فالكلام المفيد مفيد للجميع.