الجمعيات السياسية الخمس «الوفاق ووعد والقومي والوحدوي والإخاء»؛ والتي تطلق على نفسها اسم «القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة» أصدرت أخيراً بياناً قالت فيه إنها تابعت صدور بيانات تتبنى أعمال عنف تحت مسمى «سرايا الأشتر» و«سرايا المقاومة الشعبية»، وأعربت عن رفضها لهذه البيانات وهذه المسميات، وذلك انسجاماً مع موقفها الثابت من الدعوة للسلمية ونبذ العنف.
البيان جاء بعد أن تبنت مجموعة تطلق على نفسها اسم «سرايا الأشتر» أكثر من حادث أمني، وكان من بينها حوادث أودت بحياة مواطنين، آخرها «تفجير الرفاع» الذي دانته المعارضة.
بيان لطيف لكنه قليل القيمة لسبب بسيط هو أن وقت إصدار بيانات لشجب العنف ونبذه ولى وانتهى، فما قيمة قول كهذا وسط عنف تتم ممارسته يومياً في الشوارع ويتسبب في إحداث فوضى ووقوع ضحايا؟ لم يعد هذا هو المطلوب من الجمعيات السياسية لأنه لم تعد له قيمة، المطلوب من الجمعيات السياسية، وعلى الخصوص الوفاق، أن تضع حداً للعنف بأن تلزم ممارسيه الذين تعرفهم جيداً بالتوقف عن هذا العبث بمقدرات الوطن والمواطنين وأن تمنعهم ولو بالقوة من مواصلة هذا الخيار السيئ الذي إضافة إلى أنه لا يوفر لفاعليه مكسباً فإنه مناقض للمبادئ والشعارات الإسلامية التي يرفعونها ويقولون إنهم ينطلقون منها.
لم يعد للشجب قيمة ولا للإدانة ولا لقول هذه الجهة أو تلك أنها تنبذ العنف، فزمن القول ولى. اليوم هو زمن الفعل، وزمن الابتعاد عن المواقف «المايعة» و«الماصخة»، اليوم هو زمن العمل معاً لوقف هذا الاستهتار الذي تمارسه فئة قليلة لا تدرك عواقب ما تفعل في حق الوطن. اليوم هو زمن الوقوف بقوة إلى جانب الدولة لمنع هذا الذي يحدث ويسيء إلى الدولة والناس.
اليوم لا قيمة للأقوال والبيانات والشجب والتنديد والاستنكار، اليوم يوم «المرجلة» التي تريد مواقف واضحة وقوية وتريد عملاً وتكاتفاً وتتطلب الابتعاد عن كل حساسية وتفكير متخلف متمثل في الاعتقاد بأن منع هؤلاء من ممارسة أعمال العنف والوقوف ضدهم وصولاً إلى فضحهم يعني الوقوف إلى جانب الحكومة، لأن المتضرر من أعمال العنف هنا ليس الحكومة؛ لكنه الوطن الذي سيضيع بسبب سلبية الجمعيات السياسية وتفضيلها التفرج على ما يجري في الشارع بدل أن تمارس دورها الطبيعي والوطني.
ولكن؛ لماذا لا تقف الجمعيات السياسية إلى جانب الحكومة طالما أن المتضرر من تلك الأفعال هو الوطن والمواطنون؟ هذا السؤال ينبغي ألا يهرب منه المعنيون بالجمعيات السياسية، فالوقوف مع الحكومة ليس حراماً وليس خيانة لمسيرة «النضال»، وهو لا يسيء إلى تاريخ الجمعيات السياسية، وطالما أن المنطق يقول إن الحكومة على صواب فلماذا لا تقف الجمعيات السياسية إلى جانبها؟ هل الوطنية تعني أن تقف الجمعيات السياسية ضد الحكومة في كل شيء وتحاربها بكرة وأصيلاً؟
وقوف الجمعيات السياسية إلى جانب الحكومة في مثل هذه الأحوال تعبير عملي عن الوطنية وإحقاق للحق وهو في كل الأحوال تأكيد على أن الجمعيات السياسية تركن إلى العقل والمنطق والواقع وليس إلى العاطفة، وهو إضافة إلى كل هذا استغلال جيد لظروف قد تؤدي إلى تحسين العلاقة بين الطرفين وزيادة مساحة التلاقي بينهما.
ما ينبغي أن تعلمه الجمعيات السياسية ويعلمه الجميع هو أن الحكومة مثلها مثل المعارضة وكل فئات المجتمع والمواطنين ليست من أعداء الوطن، وأن يعلموا جميعاً أن الوطن ليس الحكومة فقط، لهذا فإن وقوف الجمعيات السياسية إلى جانب الحكومة لا يعيبها بل على العكس ينبغي أن تفتخر به، فعندما تلتقي الحكومة والقوى الوطنية الديمقراطية «المعارضة» على ما يعود بالخير على الوطن ويحمي مكتسباته فهذا انتصار للعقل وانتصار للوطن.