حين أصدر المجلس العلمائي بيانه بعد أن صدرت توصيات المجلس الوطني كان رداً على تقاعس الدولة عن تنفيذها، قال المجلس العلمائي للدولة ولقوانينها «طز» وأهان الدولة أكبر إهانة ومع ذلك لم يحرك أحد ساكناً.
ثم جاءت من بعده جمعية الوفاق لتساند مجلسها العلمائي في حملة الاستهتار بالقوانين وتعلنها علانية دون اعتبار لتوصيات المجلس الوطني، فأعلنت كجمعية سياسية أنها تعتبر حرق الطريق وقطعه «جهاداً»، ومن يقع وهو يقوم به «شهيداً»، إنها بهذا القرار تعلن تمردها على قانون الجمعيات السياسية وقانون المطبوعات والنشر وقانون العقوبات، ومن شرعه ومن يطبقه؟ وتعلن تحديها لتوصيات المجلس الوطني وهي الآن من يقول «طز» للقوانين وللدولة، هذا هو التحدي الجديد للدولة.
ونحن نقول لا فائدة من التهرب من الاستحقاق الواقعي للأمن وللاستقرار، لا فائدة من معالجة الذيول وكل يوم يؤبن فيه إرهابي يولد مائة بدلاً منه، لأن السلطة التنفيذية مقيدة أمام رعاة ومفرخي الإرهاب، وعليه فغلق جمعية الوفاق وإحالة أعضائها الذين أجرموا في حق الوطن ومحاسبة المجلس العلمائي والقائمين عليه هو الرسالة الوحيدة التي نضمن بها وجود دولة.
نحن أمام شلل لا قانوني، فالتشريع موجود وجاهز، بل نحن أمام عجز دولة ليس له مثيل، أرجو أن نكون واضحين وصريحين ولا يزايد أحد على حبنا لهذه الأرض وقناعتنا بشرعيتها وشرعية نظامها ودستورها وقوانينها، لذا نرجو أن نكون واضحين في أن اللوم الآن والتقصير ليس من رجال الأمن والجهاز التنفيذي، القرار الآن في يد السلطة العليا، إما أن يتخذ قرار بتنفيذ بقية التوصيات أو نقبل بالإهانة.
وغلق الوفاق عموماً ليس هدفاً بحد ذاته، فما نفتقده الآن هو رؤية استراتيجية لمستقبل البحرين ومستقبل المنطقة، رؤية تحفظ أمن البحرين واستقرارها بخيارها أن تكون دولة ديمقراطية مدنية، وليس كما هو حالها الآن ديمقراطية بلا هوية.
غلق الوفاق سيكون مجرد معالجة ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع إن لم يكن ذلك ضمن رؤية شمولية.
إن كنا نرى في «الوفاق» الآن شتاتاً وضعفاً وشيخها شيخاً طاعناً في السن ونرى الوضع الإقليمي لا يخدمها والدعم الدولي ليس كما هــو فـــــي 2011 و.. وإلى آخره من أسباب نبرر بها عدم الحاجة لاتخاذ إجراء قانوني ضد جرائم الجمعية ومجلسها العلمائي، فإن وضعها هذا وضع مؤقت، مجرد التقاط أنفاس وإعادة ترتيب صف، ومن ثم ستعود جماعة الولي الفقيه مرة أخرى لتحيي أجندتها من جديد.
أي رسالة سأمنحها بهذا التردد وهذه الرؤية الضبابية لجيل جديد سينخرط في العمل السياسي؟ هل نقول له يجوز لك أن تتخابر مع دولة أجنبية وترتكب جرائم تحريض وعنف وإرهاب، والدولة سترحب بك حزباً سياسياً مرخصاً!!
ومادمنا قد قبلنا النظام الديمقراطي أداة لإدارة الدولة، فلابد أن نحدد أطر الملعب السيادي الذي يحفظ كيان هذا الوطن من التدخلات الخارجية وعدم ترك الأدوات الديمقراطية في يد الجماعات الأممية والجماعات الإرهابية، لا حوار مع إرهاب لا حوار مع من خان، لابد من تشريع يمنع ويحظر ويجرم ويضع التدابير والعقوبات التي تمنع قيام جماعة سياسية على أسس دينية أو جماعات سياسية تدعم الإرهاب أو تتخابر مع جهات أجنبية، والأهم تنفيذ وتطبيق القانون احتراماً للإرادة الشعبية، فإن البحرين لن تنجو مرة أخرى من الهزة القادمة.
مصر تعلمت الدرس وحسمت الأمر في أيام معدودات ونحن مازلنا نراوح في مكاننا مترددين.
ولمن يكرر بأننا نقصي الإسلاميين بهذه الدعوة، نقول له كفى تدليساً وكذباً وخداعاً للناس من أجل أن تحتفظوا أنتم بمكاسبكم الذاتية، هذا ليس إقصاءً لأحد، كل مواطن بحريني له حق العمل السياسي بلا إقصاء، منفرداً كان أو ضمن حزب سياسي، إنما شرطنا أن يكون ضمن حزب بحريني لا ضمن حزب ديني امتداداته خارج البحرين، نحن ندعو أن تفتح كل المنابر للعمل السياسي، إلا منبر الرسول فله وحده أن يخلط الاثنين، أما من جاء من بعده فبشر مثلنا فإن كانوا يريدون العمل السياسي «فحياهم الله» في المجال السياسي في مقرات الأحزاب لا في المساجد، فأين الإقصاء؟ أم أنكم تعرفون أنه لا مجال لكم في العمل السياسي إلا في منابر لا ترد لكم فيها كلمة ولا يحاججكم فيها أحد.
لن تستطيع البحرين أن تنهض من كبوتها إلا إن اتخذ قرار سياسي سيادي أعلى حاسم يغلق هذه الجمعيات، ويحيل من ارتكب الجرائم إلى القضاء ويعيد بناء الدولة الديمقراطية المدنية من جديد، وما لم نكن كشعب وكمجتمع جديرين بهذه الدولة من خلال ضغط شعبي يقوم به الجميع ويتحمل مسؤوليته الجميع تجاراً ونساءً وجمعيات وأكاديميين ومجالس أهلية ومؤسسات مدنية تصرح برأيها وتدافع عن كيانها، فنستحق ما سيجري لنا... اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.