يقصد بالمتأسلمين؛ الذين يدعون الإسلام ويرفعون شعارات ترتبط به ويسلكون سلوكاً ويفعلون أفعالاً عكس ما طلبه منهم الإسلام وتتعارض مع القرآن الكريم وأقوال الرسول، وتعبر فقط عن اجتهاداتهم وآرائهم وليس عن صحيح الدين كما فسره وكتب عنه العلماء العالمون بالدين وأصوله.
ومن ثم نجد أن المتأسلمين لهم صفات أربع تعكس فكرهم ونظرتهم حتى وإن نسبوها للإسلام، فهو منهم بريء، كما سنرى في هذا التحليل، الأولى؛ يرون أنهم أوصياء على خلق الله مخالفين بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «هلا شققت عن قلبه؟»، وما رواه عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى». رواه البخاري ومسلم، وقول الله سبحانه وتعالى «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» «يونس: 99»، وقوله تعالى «وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب وساءت مرتفقاً» «الكهف: 29».
الثانية؛ إنهم يتبعون منهج التقية أياً كان مذهبهم، ومفهوم التقية له معنى وتطبيق محدد في القرآن الكريم، وهو يرتبط بعلاقة المؤمنين بالكافرين الذين كانوا يعذبونهم، وكان المسلمون آنذاك قلة ضعيفة ومستضعفة ارتباطاً بالآية الكريمة «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاةً ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير» «آل عمران: 28»، وهذه الآية في نهايتها تحذير من التوسع في مفهوم التقية، والآية الأخرى توضح ظروف الالتجاء إلى التقية فتقول «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيمٌ» «النحل: 106».
أي أن التقية التي وردت في القرآن واضحة وهي ترتبط بالإيمان بالله، مع إظهار خلاف ذلك في حالة القهر المادي وربما المعنوي الشديد. وترتبط تاريخياً واجتماعياً ببعض الفئات الضعيفة عند نشأة الإسلام كحالة عمار بن ياسر وصهيب بن سنان وبلال الحبشي وغيرهم، حيث كان عمار بن ياسر وأمه وأبوه يعذبون بالضرب الشديد بإلقائهم في الرمال الحارقة في عز الظهيرة ومع ذلك كان يقول: «أحدٌ، أحد»، حتى مات الأب والأم، وأصر عمار على رفض التخلي عن عقيدته، وبما أن الإسلام دين الرحمة والرسول هو نبي الرحمة فإن الله أذن لهؤلاء وأمثالهم أن يتلفظوا بالكفر اتقاء للعذاب الشديد وحفاظاً على أرواحهم حتى لا يموتوا، ومن ثم فإن الهدف هو الحفاظ على النفس البشرية التي خلقها الله سبحانه وتعالى وكرمها على خلقه جميعاً.
لكن النفاق هو «أن يظهر الإنسان غير ما يبطن لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية»، وهو ما ينطبق عليه قول الله تعالى «كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» «الصف: 3»، وقول النبي الكريم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان». وفي رواية أخرى عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقاً، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر». أخرجه البخاري ومسلم.
ولوحظ أن كثيراً من الأحزاب السياسية التي تحمل اسم الإسلام يعلن المرشد العام وأعوانه أن المظاهرات سلمية ثم يستخدمون المولوتوف والأسلحة البيضاء ويكدسون الأسلحة والقنابل في المساجد وفي مقر الحزب والجماعة، فكأنهم يعلنون التقية ضد الكفار، والذين هم من منطقهم الدولة وكل مواطن لا ينتمي إلى جماعتهم، وهذا ما لا يقره الإسلام.
الثالثة؛ عدم الإيمان أو الولاء للوطن تحت شعارات ومفاهيم خاطئة ترتبط بمفهوم «الأمة»، وهو مفهوم مغلوط. فلفظ الأمة في القرآن لا يعني «الدولة» وإنما له معان متعددة، أولها ينبع من قول الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة السلام «إن إبراهيم كان أمةً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين» «النحل: 120»، رغم أنه كان فرداً ولكن القيم والمبادئ والمثل التي عبر عنها كانت شاملة كما لو كانت تعبر عن مجتمع بأسره. والمعنى الثاني؛ هو أي جماعة من الناس لقوله تعالى «ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» «آل عمران: 104»، وقوله تعالى: «ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخٌ كبيرٌ» «القصص: 23»، والمعنى الثالث بمعنى جماعة تؤمن بعقيدة معينة أو دين معين لقوله تعالى: «إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون» «الأنبياء: 92»، وقول الرسول الكريم «المؤمنون أمة»، وفي صحيفة المدينة «المسلمون أمة.. واليهود أمة، وأشار للقبائل كذا وكذا بأنهم أمة».
في حين أن دولة المدينة أكدت مبدأ الانتماء الديني وهو انتماء ثقافي أو عقيدي، لكنها من ناحية أخرى أكدت الانتماء الوطني، لأن صحيفة المدينة أوضحت أن جميع أهل المدينة يتناصرون ويدافعون عنها ويحمون بعضهم بعضاً ورفضت مبدأ التخلي عن الوطن -أي المدينة- الدولة لمصلحة العقيدة أو الدين، ومن ثم أقامت دولتها على أساس الإيمان بالوطن. وقد أكد القرآن الكريم أهمية الوطن واسماها البلد بقوله «لا أقسم بهذا البلد، وأنت حلٌ بهذا البلد، ووالد وما ولد» «سورة البلد»، أي أن البلد التي هي مسقط رأس الإنسان جديرة بالانتماء والولاء، ولعظم ذلك أقسم بها الله وربط ذلك بالميلاد الذي هو الأساس الطبيعي للجنسية، وكذلك في نظرة النبي إلى مكة عندما هاجر منها قائلاً: «والله إنك لأحب أرض الله إلي، و أحب أرض الله إلى الله، و لولا أن أهلك أخرجوني منك قهراً ما خرجت».
وعملية الخلط المتعمد بين مفهوم الوطن ومفهوم الأمة، وبين مفهوم الدولة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين، ومفهوم الدولة الدينية التي ليست من الإسلام؛ هي عملية حديثة ارتبطت بالكاثوليكية وسيطرتها على أوروبا، كما ارتبطت بالدولة العثمانية بوجه خاص واحتلالها للدول العربية، ثم بالدولة الصفوية وتشويهها الصورة الصحيحة للإسلام وللمذهب الشيعي الصحيح.
ولعله مما يذكر أن الحسن بن علي عليه السلام رضي الله عنه رفض مفهوم التوارث السياسي للسلطة باسم الدين، لأنه في أساسه مفهوم قبلي وليس مفهوماً إسلامياً، وأعلن المصالحة مع الدولة الأموية حقناً لدماء المسلمين، ولذلك سمي ذلك العام بعام الجماعة، كما إن الإمام العظيم جعفر الصادق رفض أية ضغوط لتحويل فكره الـديني واجتهاداته للصراع السياسي على السلطة، ولهذا أحبه الشيعة كما أحبه السنة على حد سواء، فهو من سلالة النبي محمد صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام.
الرابعة؛ مبدأ التقية السياسية الذي يطرحه المتأسلمون يجعلهم يعلنون إيمانهم بالديمقراطية رغم أن كتاباتهم ضد ذلك، ويعلنون إيمانهم بالوطن رغم أن سلوكهم يتعارض مع ذلك، ويرفضون النشيد الوطني والعلم الوطني، بل يرفضون مفهوم الوطن كما قال المرشد العام السابق للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف عن مصر «طز في مصر»، وكما ساوى الرئيس محمد مرسي بين الإرهابيين الذين خطفوا الجنود المصريين في سيناء وبين الجنود المخطوفين ورفض تعقبهم ومعاقبتهم بدعوى أن الطرفين يجب حمايتهم، وتتساءل كيف يمكن لرئيس دولة أن يساوي بين جنوده وأعدائهم؛ أي يساوي بين الضحية والجلاد، بين المعتدى عليه وبين المعتدي، إلا لو كان الجلاد والقاتل ينتميان إلى نفس السلطة القائمة.
وتتجلي التقية السياسية في تشدق الأحزاب المتأسلمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، رغم أن المرجعية النهائية ليست الشعب إنما المرشد أو المرجع الأعلى أو نحو ذلك من المسميات، ويزداد الأمر عجباً إذا كان هذا المرشد نصيبه محدود للغاية من الثقافة الدينية، كأن يكون مدرساً للتربية البدنية أو طبيباً بيطرياً أو طبيب تخدير أو مهندساً ونحو ذلك، وكل ثقافته الدينية أنه قرأ قشوراً من الكتب الدينية التي تنشرها جماعته وعشيرته ثم تحول إلى داعية ثم مرشد ومفت يتحدث في الإسلام بما يعبر عن فكر غير صحيح، وثقافة ضحلة، ويتحدث بلغتين لغة لبني عشيرته وأخرى للأجانب الذي يعيشون في وهم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم ارتكبوا أفظع الجرائم وتجاهلوا ما يحدث لشعب فلسطين من قمع وتعذيب وسرقة أراضيهم، وحقاً قال الشاعر العربي موضحاً هذه المفارقة أو ما نسميه الآن بالمعايير المزدوجة:
قتــل امرئ في غابة جـريـمة لا تغتفر
وقـتــل شـعـب آمــن مســـألة فيها نظر
ومن ثم نجد أن المتأسلمين لهم صفات أربع تعكس فكرهم ونظرتهم حتى وإن نسبوها للإسلام، فهو منهم بريء، كما سنرى في هذا التحليل، الأولى؛ يرون أنهم أوصياء على خلق الله مخالفين بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «هلا شققت عن قلبه؟»، وما رواه عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى». رواه البخاري ومسلم، وقول الله سبحانه وتعالى «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» «يونس: 99»، وقوله تعالى «وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها، وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب وساءت مرتفقاً» «الكهف: 29».
الثانية؛ إنهم يتبعون منهج التقية أياً كان مذهبهم، ومفهوم التقية له معنى وتطبيق محدد في القرآن الكريم، وهو يرتبط بعلاقة المؤمنين بالكافرين الذين كانوا يعذبونهم، وكان المسلمون آنذاك قلة ضعيفة ومستضعفة ارتباطاً بالآية الكريمة «لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاةً ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير» «آل عمران: 28»، وهذه الآية في نهايتها تحذير من التوسع في مفهوم التقية، والآية الأخرى توضح ظروف الالتجاء إلى التقية فتقول «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيمٌ» «النحل: 106».
أي أن التقية التي وردت في القرآن واضحة وهي ترتبط بالإيمان بالله، مع إظهار خلاف ذلك في حالة القهر المادي وربما المعنوي الشديد. وترتبط تاريخياً واجتماعياً ببعض الفئات الضعيفة عند نشأة الإسلام كحالة عمار بن ياسر وصهيب بن سنان وبلال الحبشي وغيرهم، حيث كان عمار بن ياسر وأمه وأبوه يعذبون بالضرب الشديد بإلقائهم في الرمال الحارقة في عز الظهيرة ومع ذلك كان يقول: «أحدٌ، أحد»، حتى مات الأب والأم، وأصر عمار على رفض التخلي عن عقيدته، وبما أن الإسلام دين الرحمة والرسول هو نبي الرحمة فإن الله أذن لهؤلاء وأمثالهم أن يتلفظوا بالكفر اتقاء للعذاب الشديد وحفاظاً على أرواحهم حتى لا يموتوا، ومن ثم فإن الهدف هو الحفاظ على النفس البشرية التي خلقها الله سبحانه وتعالى وكرمها على خلقه جميعاً.
لكن النفاق هو «أن يظهر الإنسان غير ما يبطن لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية»، وهو ما ينطبق عليه قول الله تعالى «كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» «الصف: 3»، وقول النبي الكريم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان». وفي رواية أخرى عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقاً، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر». أخرجه البخاري ومسلم.
ولوحظ أن كثيراً من الأحزاب السياسية التي تحمل اسم الإسلام يعلن المرشد العام وأعوانه أن المظاهرات سلمية ثم يستخدمون المولوتوف والأسلحة البيضاء ويكدسون الأسلحة والقنابل في المساجد وفي مقر الحزب والجماعة، فكأنهم يعلنون التقية ضد الكفار، والذين هم من منطقهم الدولة وكل مواطن لا ينتمي إلى جماعتهم، وهذا ما لا يقره الإسلام.
الثالثة؛ عدم الإيمان أو الولاء للوطن تحت شعارات ومفاهيم خاطئة ترتبط بمفهوم «الأمة»، وهو مفهوم مغلوط. فلفظ الأمة في القرآن لا يعني «الدولة» وإنما له معان متعددة، أولها ينبع من قول الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة السلام «إن إبراهيم كان أمةً قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين» «النحل: 120»، رغم أنه كان فرداً ولكن القيم والمبادئ والمثل التي عبر عنها كانت شاملة كما لو كانت تعبر عن مجتمع بأسره. والمعنى الثاني؛ هو أي جماعة من الناس لقوله تعالى «ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» «آل عمران: 104»، وقوله تعالى: «ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخٌ كبيرٌ» «القصص: 23»، والمعنى الثالث بمعنى جماعة تؤمن بعقيدة معينة أو دين معين لقوله تعالى: «إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون» «الأنبياء: 92»، وقول الرسول الكريم «المؤمنون أمة»، وفي صحيفة المدينة «المسلمون أمة.. واليهود أمة، وأشار للقبائل كذا وكذا بأنهم أمة».
في حين أن دولة المدينة أكدت مبدأ الانتماء الديني وهو انتماء ثقافي أو عقيدي، لكنها من ناحية أخرى أكدت الانتماء الوطني، لأن صحيفة المدينة أوضحت أن جميع أهل المدينة يتناصرون ويدافعون عنها ويحمون بعضهم بعضاً ورفضت مبدأ التخلي عن الوطن -أي المدينة- الدولة لمصلحة العقيدة أو الدين، ومن ثم أقامت دولتها على أساس الإيمان بالوطن. وقد أكد القرآن الكريم أهمية الوطن واسماها البلد بقوله «لا أقسم بهذا البلد، وأنت حلٌ بهذا البلد، ووالد وما ولد» «سورة البلد»، أي أن البلد التي هي مسقط رأس الإنسان جديرة بالانتماء والولاء، ولعظم ذلك أقسم بها الله وربط ذلك بالميلاد الذي هو الأساس الطبيعي للجنسية، وكذلك في نظرة النبي إلى مكة عندما هاجر منها قائلاً: «والله إنك لأحب أرض الله إلي، و أحب أرض الله إلى الله، و لولا أن أهلك أخرجوني منك قهراً ما خرجت».
وعملية الخلط المتعمد بين مفهوم الوطن ومفهوم الأمة، وبين مفهوم الدولة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين، ومفهوم الدولة الدينية التي ليست من الإسلام؛ هي عملية حديثة ارتبطت بالكاثوليكية وسيطرتها على أوروبا، كما ارتبطت بالدولة العثمانية بوجه خاص واحتلالها للدول العربية، ثم بالدولة الصفوية وتشويهها الصورة الصحيحة للإسلام وللمذهب الشيعي الصحيح.
ولعله مما يذكر أن الحسن بن علي عليه السلام رضي الله عنه رفض مفهوم التوارث السياسي للسلطة باسم الدين، لأنه في أساسه مفهوم قبلي وليس مفهوماً إسلامياً، وأعلن المصالحة مع الدولة الأموية حقناً لدماء المسلمين، ولذلك سمي ذلك العام بعام الجماعة، كما إن الإمام العظيم جعفر الصادق رفض أية ضغوط لتحويل فكره الـديني واجتهاداته للصراع السياسي على السلطة، ولهذا أحبه الشيعة كما أحبه السنة على حد سواء، فهو من سلالة النبي محمد صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام.
الرابعة؛ مبدأ التقية السياسية الذي يطرحه المتأسلمون يجعلهم يعلنون إيمانهم بالديمقراطية رغم أن كتاباتهم ضد ذلك، ويعلنون إيمانهم بالوطن رغم أن سلوكهم يتعارض مع ذلك، ويرفضون النشيد الوطني والعلم الوطني، بل يرفضون مفهوم الوطن كما قال المرشد العام السابق للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف عن مصر «طز في مصر»، وكما ساوى الرئيس محمد مرسي بين الإرهابيين الذين خطفوا الجنود المصريين في سيناء وبين الجنود المخطوفين ورفض تعقبهم ومعاقبتهم بدعوى أن الطرفين يجب حمايتهم، وتتساءل كيف يمكن لرئيس دولة أن يساوي بين جنوده وأعدائهم؛ أي يساوي بين الضحية والجلاد، بين المعتدى عليه وبين المعتدي، إلا لو كان الجلاد والقاتل ينتميان إلى نفس السلطة القائمة.
وتتجلي التقية السياسية في تشدق الأحزاب المتأسلمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، رغم أن المرجعية النهائية ليست الشعب إنما المرشد أو المرجع الأعلى أو نحو ذلك من المسميات، ويزداد الأمر عجباً إذا كان هذا المرشد نصيبه محدود للغاية من الثقافة الدينية، كأن يكون مدرساً للتربية البدنية أو طبيباً بيطرياً أو طبيب تخدير أو مهندساً ونحو ذلك، وكل ثقافته الدينية أنه قرأ قشوراً من الكتب الدينية التي تنشرها جماعته وعشيرته ثم تحول إلى داعية ثم مرشد ومفت يتحدث في الإسلام بما يعبر عن فكر غير صحيح، وثقافة ضحلة، ويتحدث بلغتين لغة لبني عشيرته وأخرى للأجانب الذي يعيشون في وهم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم ارتكبوا أفظع الجرائم وتجاهلوا ما يحدث لشعب فلسطين من قمع وتعذيب وسرقة أراضيهم، وحقاً قال الشاعر العربي موضحاً هذه المفارقة أو ما نسميه الآن بالمعايير المزدوجة:
قتــل امرئ في غابة جـريـمة لا تغتفر
وقـتــل شـعـب آمــن مســـألة فيها نظر