عبارة “الوصول لتطلعات الشعب البحريني” تلك الواردة في بيانات الدول الأجنبية ترحيباً بدعوة جلالة الملك للحوار، لا يمكن أن تتحقق، فهناك مجموعة في الوفاق لا تبتز الشعب فحسب بل تبتز رفاقها داخل الجمعية، ممن يريدون أن يتوافقوا مع بقية مكونات المجتمع.
تلك المجموعة تصر على التصادم مع مكونات المجتمع البحريني، ومساومته على أمنه ورزقه، “فالسعار” الذي قامت به بالأمس زاد البعد بينها وبين المجتمع البحريني، في محاولة مكشوفة لدفع أي من الأطراف للانسحاب من الحوار قبل أن يبدأ بمن فيهم مجموعة الوفاق.
“بضع مئات” حسب وصف وكالة الأنباء الفرنسية حاولت تجاوز القانون في أزقة المنامة الضيقة يتقدمهم “فقهاء” من المجلس العلمائي معممين، لم يعبأ بهم شعب البحرين الذي كان بالآلاف في بر الصخير وفي المجمعات التجارية والسينمات وفي الأسواق وفي سوق المقاصيص وفي كل مكان عدا ذلك الشارع الضيق الذي احتشد فيه “بضع مئات” يتوسلون الاصطدام مع رجال الأمن عل وعسى يحدث ما يحرج أي طرف من الأطراف التي لبت دعوة الحوار بمن فيهم رفاقهم فينسحبون وتفشل الدعوة!!.
الشعب البحريني له “تطلعات” بالفعل، أولها أن يحافظ على مكتسباته ويبني عليها، فالمجتمع البحريني لم يبدأ من الصفر بل صوت على ميثاق وطني بنسبة تكاد تكون إجماعاً، ولن تجبره مجموعة على البدء من الصفر وهدم ما بناه طوال قرون تعايشت فيها مكوناته بسلام، فلم تشهد البحرين ولله الحمد اضطرابات أهلية أو حروباً أهلية، رغم تعدد المكونات عرقياً ودينياً ومذهبياً على هذا الأرخبيل، وتلك حالة نادرة واستثنائية تستحق فعلاً أن نتوقف عندها نبحث ونتعمق في ما وراء الصورة فلا نحكم على الأمور بمسميات وقوالب جاهزة ترفع لكم لإغرائكم، بل علينا أن نلبي تطلعات هذا الشعب انطلاقاً من معطياته الواقعية على أرضه ومن بيئته تلك التي أفرزت هذه الحالة النادرة التي لم تتمكن الشعوب الغربية من الوصول إليها إلا بعد قرون طويلة.
فالوفاق التي أعلنت لكم أنها رحبت بالحوار تحت ضغطكم فقط، اضطرت مجبرة على القبول بالجلوس مع بقية مكونات الشعب البحريني وجهاً لوجه، وعدا ذلك فإنها ومنذ بداية الأزمة وقبلها ومنذ تأسيسها تتصرف على أنها وحدها في الوطن، وتتصرف على أنها تمثل “غالبية” شيعية، لا غالبية شعبية في خرق واضح لتلك الحالة النموذجية الاستثنائية في أرخبيلنا، مما أحدث شقاً كبيراً في وحدة الصف البحريني لأول مرة في انقسام لم يشهد التاريخ البحريني له مثيلاً.
تلك الممارسة الإقصائية وضيقة الأفق صاحبت تلك الجمعية منذ تأسيسها وتكوينها وحتى حين وصلت لقبة البرلمان كممثلة للأمة، حيث استغلت ما أتيح لها ككتلة برلمانية من الأدوات الرقابية لتعمل بذات النفس الطائفي الضيق، فتسأل عن “أسماء” الموظفين وعوائلهم بدلاً من أن تسأل عن مدى التزام الدولة بمبدأ تكافؤ الفرص في عملية التوظيف.
واستخدمت أدواتها الرقابية لتمنع إقرار قانون ينظم السلطة القضائية الشرعية لتتساوى المرأة الشيعية مع السنية في المكانة والامتيازات التزاماً برأي فقيهها الديني لا التزاماً بتطلعات المرأة البحرينية.
الشواهد على إمكانية تحويل تطلعات شعب البحرين بمزيد من الصلاحيات والاختصاصات النيابية إلى خدمة فئات ضيقة الأفق تتسع لشواهد كثيرة، والهوة بين أهداف تلك المجموعة وقناعتها “بتطلعات شرائح متعددة للشعب البحريني” أثبتتها الممارسة على الأرض. كما إن الشواهد على مدى استغلالها لما يتاح من أدوات ديمقراطية للمنفعة الضيقة الطائفية البغيضة لا للمنفعة الشعبية العامة أيضاً أكثر من أن تحصى، وافتعالها للأزمات الآن هو للحصول على مزيد من تلك الاختصاصات لا لخدمة تطلعات الشعب البحريني بل لتكيف الأدوات الديمقراطية لصالحها الفئوي الضيق.
بعيداً عن المسميات المغرية التي ترفعها تلك المجموعة لكم فإن أي تغيير في المعادلة السياسية في الوقت الحاضر قبل أن يشتد عود المجتمع المدني لن يستبدل حكماً قبلياً عائلياً كما يصورونه، إلى حكم “شعب” كما يصورونه لكم، بل سيستبدل حكماً مدنياً أوجد البيئة لهذا التعايش الاستثنائي، بحكم عائلي آخر منغلق ثيوقراطي إلى أبعد الحدود “البعد الاجتماعي العائلي لأسر النشطاء لأعضاء الوفاق والتيار الشيرازي فيه لا يمكن إغفاله أبداً، وما عليكم سوى تتبع صلة الرحم الموجودة بين الأسماء المتداولة لديكم لتعرفوا أنها هي الأخرى عوائل متداخلة!!”.
هكذا هي ممارسات وأفعال وتطبيق لتلك المجموعات الثيوقراطية هي الترجمة الحقيقية لما يرفعونه من شعارات براقة تجد صداها في آذانكم.
ونتيجة معادلة سياسية واستراتيجية غير مدروسة، تمكنت تلك المجموعة من الهيمنة والسيطرة على قرى الساحل الشمالي المكتظة بالسكان، وحصلت على 18 مقعداً نيابياً لكنها تطمع في المزيد لا من أجل تحقيق تطلعات الشعب البحريني، بل من أجل منح فقهائها مزيداً من أدوات السيطرة والهيمنة على التطلعات الشعبية، والنتيجة يدفع ثمنها بقية أفراد المجتمع البحريني، وكلما رفعت تلك المجموعة مسميات مثل “الديمقراطية” و”التعددية” و”الدولة المدنية” و”الإرادة الشعبية” و”حقوق الإنسان” وغيرها مما يغريكم من أسماء وتعتقدون أنها تتطابق مع ما تمارسونه أنتم وسط مجتمعكم وتراقبون بعضكم بعض من أجل ضمان عدم الحياد عنها، زادت معاناة المجتمع البحريني ذلك الذي تهتمون بتطلعاته.
حين تحدثت السيدة كلينتون أمام لجنة الكونجرس الأسبوع الماضي قالت ما عجزنا أن نوصله لكم بشتى الطرق خلال العام الماضي وكثير منكم لم يكن يريد الاستماع لنا، لقد أقرت كلينتون أن الفوضى التي تحدث الآن في دول الربيع العربي هي قفزة في الهواء غير مدروسة أوصلت جماعات لا تملك خبرة إدارة الدولة، ما أفسح المجال لكل الجماعات المتشددة أن تتحكم في المشهد السياسي في ظل هذا الفراغ المحدث، وهذا اكتشاف للخارجية الأمريكية جاء متأخراً نظراً لبعدها عما يجري على أرض الواقع في تلك المجتمعات.
لقد نجحت المجموعات الدينية في خداعكم لكنها لم تخدع مجتمعها أبداً، فها هي المجموعة الثيوقراطية المتشددة البحرينية تضيع الفرصة تلو الأخرى حين يأتي زمن الاستحقاق التوافقي الوطني لأنها لا تريد إصلاحاً بل تريد استحواذاً.
ها هي تطلق خطابان إحداهما لكم لأنكم تضغطون عليها للجلوس مع شركائها في الوطن، والثانية للداخل للشعب البحريني بلغة ومضمون يستهين به وبكل توافقاته التي توصل لها في حواره السابق عل وعسى تنسحب الأطراف الأخرى وتعفيها مغبة الجلوس مع شركائها.
لقد أصبح التعايش السلمي بين مكونات الشعب البحريني مهدداً بسبب سوء سلوك تلك المجموعة وتجاهلها المستمر للآخر لا تجاه السلطة فحسب، بل تجاه المكونات الأخرى للشعب البحريني بمن فيهم الشيعة.
تطلعات الشعب البحريني طموحة، ولا يريد أن تختطفها تلك المجموعة.. ونكمل في الغد.