لا أعرف الكثير عن الطريقة التي تدير فيها جمعية الوفاق ملفاتها السياسية ولا نوعية المستشارين السياسيين الذين يقدمون لها الدعم اللازم، لكن ومن خلال التصريحات التي تطلقها الجمعية أستطيع أن أستشف وجود مشكلة حقيقية في الفهم السياسي الأولي لأبجديات إدارة ملفات كالحوار وآلياته، وهو ما يتضح في كل مرة تتصاعد فيها الأمور وتجد الوفاق نفسها محاطة بالأضواء التي يكشف سطوعها المزيد من عيوب الآلية البدائية التي تدار بها العملية والمخرجات المرتبكة التي تؤدي إلى أخطاء قاتلة، لتجد نفسها بعد عدة خطوات في المربع الأول تقدم الكثير من التنازلات.
ولعل أبرز دلالة على ما ورد في مقدمتي هو؛ إصرار الوفاق على الخروج يوم الجمعة الماضية دون تقدير لمزاج الرأي العام ومدى رغبة الشارع في الاستمرار بعمليات الحشد والتجييش، التي أصبح الملل منها والتذمر من الخسائر والأضرار التي تتسبب بها حديثاً عاماً، إضافة لما ولدته من شعور عميق بعدم جدواه بسبب تكراره الرتيب دونما طائل.
وقد تكون الدلالة الأخرى هي إصرار الوفاق على إقحام زعامتها الدينية في مسألة الحوار لتتحدث بلغة خشبية مستندة إلى منطق الأغلبية والأقلية، والتي أصبحت مسألة فيها نظر بعد العام 2011، إضافة إلى أنها غير متفقة مع الفهم السياسي لعملية الحوار التي يجب أن تكون عملية مبنية على التوافق والمشاركة لا المغالبة السياسية السائدة في عملية الانتخاب.
ولعلني أكون أكثر إنصافاً إذا قلت إن الوفاق لا تتحمل تبعة هذا النوع من المنطق المعوج وحدها؛ بل تتحمله معها السلطة التي اعتادت على عقد صفقات خلف الأبواب المغلقة بين إثنين ثالثهما الشيطان، واتخاذ الكثير من القرارات المصيرية التي تدفع البحرين نتيجتها اليوم.
نعم؛ فالسلطة كرست عند الوفاق وزعامتها سياسة اللعبة الثنائية التي ترفض الوفاق وزعامتها اليوم الخروج منها وتريد أن تعود إلى خلوتها تلك مع السلطة، وهو بالتأكيد ما لن توافق عليه قطاعات من الشعب تمثل كل من لا يقف في معسكر الوفاق، وهم باللغة الطائفية البحرينية يمثلون كل السنة وقطاع لا يستهان به الشيعة، الذين لم يعودوا يثقون في الوفاق ومرجعيتها أو يخالفونها في التوجه الديني، إضافة إلى الأقليات والنساء ورجال الأعمال الذين لا تمثل الوفاق لهم إلا نموذجاً مرعباً من الثيوقراطية الراديكالية التي تحكم أمثالهم بالحديد والنار في مصر وتونس والسودان، وحتى لو سلمنا أن الوفاق تمثل أغلبية فهي أغلبية داخل طائفة وليست أغلبية شعبية تؤهلها للحديث من هذا المنطلق.
إضافة إلى كل ما سبق؛ يبدو أن الحكومة قد وعت أخيراً أن كل التنازلات التي قدمت للوفاق على مر السنوات العشر الماضية لم تغير شيئاً، لأن الهدف النهائي للوفاق ومن يدور في فلكها من حركات راديكالية هدفها إسقاط النظام، ولا شيء أقل من ذلك.
أما فيما يخص الطرف المقابل في الحوار ممثلاً في الجمعيات الست التي يقودها تجمع الوحدة الوطنية؛ فليسوا أحسن حالاً من الوفاق وأخواتها، فلا وضوح في الرؤية واللغة المستخدمة حتى الآن لا تبشر بوجود فهم لمدلولات الحوار ولا آلياته، وهي لغة دينية ولدت وترعرت واعتكفت في المسجد وخطب الجمعة ولا تخرج عنه إلا في حالات نادرة مرتبطة بجلب منفعة أو دفع مضرة، وأشك أن تقدم شيئاً يذكر بشكل سياسي محترف ومهني.
ويبقى الرهان الأخير على تيار الاستقلال من الشباب من كافة الاتجاهات لخلق بيئة لعمل سياسي محترف يتقن لغته ويدرك مفاهيمه ويعرف جيداً متى يستخدم أدواته، والذي سيكون يوماً الممثل الحقيقي للشارع البحريني بعيداً عن الأجندات الدينية والطائفية التي كانت طوال العقد الماضي تقود العمل السياسي بطريقة شديدة البدائية، ورثت البحرين تركة ثقيلة وكوارث تحتاج إلى زمن طويل للتخلص من تبعاتها، خصوصاً على المستويين السياسي والاجتماعي بعد عملية الفرز الطائفي التي تقننها الرموز الدينية في ظل صمت الدولة وتنصلها في مسؤولياتها لحماية المجتمع.
{{ article.visit_count }}
ولعل أبرز دلالة على ما ورد في مقدمتي هو؛ إصرار الوفاق على الخروج يوم الجمعة الماضية دون تقدير لمزاج الرأي العام ومدى رغبة الشارع في الاستمرار بعمليات الحشد والتجييش، التي أصبح الملل منها والتذمر من الخسائر والأضرار التي تتسبب بها حديثاً عاماً، إضافة لما ولدته من شعور عميق بعدم جدواه بسبب تكراره الرتيب دونما طائل.
وقد تكون الدلالة الأخرى هي إصرار الوفاق على إقحام زعامتها الدينية في مسألة الحوار لتتحدث بلغة خشبية مستندة إلى منطق الأغلبية والأقلية، والتي أصبحت مسألة فيها نظر بعد العام 2011، إضافة إلى أنها غير متفقة مع الفهم السياسي لعملية الحوار التي يجب أن تكون عملية مبنية على التوافق والمشاركة لا المغالبة السياسية السائدة في عملية الانتخاب.
ولعلني أكون أكثر إنصافاً إذا قلت إن الوفاق لا تتحمل تبعة هذا النوع من المنطق المعوج وحدها؛ بل تتحمله معها السلطة التي اعتادت على عقد صفقات خلف الأبواب المغلقة بين إثنين ثالثهما الشيطان، واتخاذ الكثير من القرارات المصيرية التي تدفع البحرين نتيجتها اليوم.
نعم؛ فالسلطة كرست عند الوفاق وزعامتها سياسة اللعبة الثنائية التي ترفض الوفاق وزعامتها اليوم الخروج منها وتريد أن تعود إلى خلوتها تلك مع السلطة، وهو بالتأكيد ما لن توافق عليه قطاعات من الشعب تمثل كل من لا يقف في معسكر الوفاق، وهم باللغة الطائفية البحرينية يمثلون كل السنة وقطاع لا يستهان به الشيعة، الذين لم يعودوا يثقون في الوفاق ومرجعيتها أو يخالفونها في التوجه الديني، إضافة إلى الأقليات والنساء ورجال الأعمال الذين لا تمثل الوفاق لهم إلا نموذجاً مرعباً من الثيوقراطية الراديكالية التي تحكم أمثالهم بالحديد والنار في مصر وتونس والسودان، وحتى لو سلمنا أن الوفاق تمثل أغلبية فهي أغلبية داخل طائفة وليست أغلبية شعبية تؤهلها للحديث من هذا المنطلق.
إضافة إلى كل ما سبق؛ يبدو أن الحكومة قد وعت أخيراً أن كل التنازلات التي قدمت للوفاق على مر السنوات العشر الماضية لم تغير شيئاً، لأن الهدف النهائي للوفاق ومن يدور في فلكها من حركات راديكالية هدفها إسقاط النظام، ولا شيء أقل من ذلك.
أما فيما يخص الطرف المقابل في الحوار ممثلاً في الجمعيات الست التي يقودها تجمع الوحدة الوطنية؛ فليسوا أحسن حالاً من الوفاق وأخواتها، فلا وضوح في الرؤية واللغة المستخدمة حتى الآن لا تبشر بوجود فهم لمدلولات الحوار ولا آلياته، وهي لغة دينية ولدت وترعرت واعتكفت في المسجد وخطب الجمعة ولا تخرج عنه إلا في حالات نادرة مرتبطة بجلب منفعة أو دفع مضرة، وأشك أن تقدم شيئاً يذكر بشكل سياسي محترف ومهني.
ويبقى الرهان الأخير على تيار الاستقلال من الشباب من كافة الاتجاهات لخلق بيئة لعمل سياسي محترف يتقن لغته ويدرك مفاهيمه ويعرف جيداً متى يستخدم أدواته، والذي سيكون يوماً الممثل الحقيقي للشارع البحريني بعيداً عن الأجندات الدينية والطائفية التي كانت طوال العقد الماضي تقود العمل السياسي بطريقة شديدة البدائية، ورثت البحرين تركة ثقيلة وكوارث تحتاج إلى زمن طويل للتخلص من تبعاتها، خصوصاً على المستويين السياسي والاجتماعي بعد عملية الفرز الطائفي التي تقننها الرموز الدينية في ظل صمت الدولة وتنصلها في مسؤولياتها لحماية المجتمع.