تمر ذكرى الوحدة على اليمنيين ثقيلة هذا العام، فدعاوى الانفصال على أشدها والثورة التي عولت عليها كافة القوى الشبابية والسياسية تقف مرتبكة أمام رهانات النصر أو استمرار اليمن في حالة التدهور التي عاناها طوال ما يزيد عن 30 عاماً، والسؤال الذي يخيف اليمنيين هو هل سيكون الانفصال إحدى نتائج الثورة؟!
وليس خافياً على المتتبع للشأن اليمني أن الوحدة اليمنية بدأت عام 1990 هشةً دون تخطيط جاد ودون رؤية استراتيجية، وأنها مرت في سنة 1994 بحرب سميت زوراً بحرب الوحدة ضد الانفصال، وأن استمرار الوحدة اليمنية كان استمراراً لاستنزاف نظام علي عبدالله صالح لموارد جنوب اليمن بعد أن أطبق على موارد شماله، لكن المشروع الانفصالي اليوم لا يمكن النظر إليه إلا باعتباره أحد مشروعات التقسيم التي تجتاح المنطقة العربية وأن ثورة اليمنيين، وخصوصاً في الشمال، على نظام علي صالح تقطع دعاوى أي طرف يمني بالمظلومية الفردية والتهميش في ظرف تعاني فيه كل أقاليم اليمن من الفقر والتهميش والأمية وانعدام الخدمات الأساسية!!
في حوار خاص لي على «تويتر» مع أحد الحسابات الإعلامية الرسمية للحراك الجنوبي الذي يتزعم حركة الانفصال، والذي يدعو صراحة لرفع السلاح ضد الدولة اليمنية الوليدة ويطلب التدخل الخارجي لإعطاء سكان الجنوب حق تقرير المصير في الانفصال، رفض مدير الحساب تعريف نفسه بأنه يمني جنوبي، حسب التوصيف القديم، بل عرف نفسه بأنه «قرشي هاشمي»، وحين اعترضت على هذا التعريف بأنه يحمل نعرة عنصرية استدرك بأنه حضرمي أو ابن الجنوب العربي، وأنه يثور لأجل استرجاع الدولة الجنوبية المسروقة ويرفض الانتماء لليمن المتخلف والجائع الذي قام بثورة من أجل الخبز، فأدركت أن ثمة مشروعاً لطمس الهوية اليمنية التي كانت تجمع أهل الشمال والجنوب زمن التشطير والتي تعرقل أي مشروع انفصالي، وأدركت أيضاً أنه يجري البحث عن هوية بديلة تفقد اليمنيين مستقبلاً فكرة المطالبة بالوحدة مرة أخرى، ولكن يبدو أن قريحة الانفصاليين لم تثمر عن خلق هوية جديدة بهذه المواصفات، وهذا مؤشر أن خطة الانفصال الجنوبي هي امتداد لمشروعات تفتيت الهوية العربية الجامعة والذوبان في الهويات الفرعية.
وعلى الرغم من الاقتناع الكامل من أن مشكلات اليمن كبيرة جداً وتراكمية يصعب السيطرة عليها؛ إلا أن ثمة حلولاً بديلة عديدة لمشكلة البدء في تطوير اليمن مثل حل الكونفدرالية أو الأقاليم الإدارية غير المركزية، لكن الأمر قد يحتاج لحنكة وحكمة تمنع تطور الأقاليم التابعة إلى أقاليم مستقلة في ظل وجود دعوات حقيقية للانفصال، خصوصاً وأن دعاوى الانفصال يكتنفها دعم إيراني وروسي غير خفي وصل إلى حد التزويد بالأسلحة.
ويبقى الدور المهم هو دور المنظومة الخليجية التي يعتب عليها الكثير من اليمنيين معتبرينها قد عرقلت نجاح الثورة وحولتها من ثورة مطالب إلى أزمة سلطة، ويرى العديد من اليمنيين أن إعطاء الحصانة للرئيس السابق علي عبدالله صالح استفزاز لليمنيين وإجهاض لثورتهم، ويرون في إبقائها على أفراد أسرته في مناصبهم العسكرية والأمنية انحيازاً للمصالح الخليجية الخاصة وتجاهلاً للمصالح اليمنية. واليمن عمق أمني خطير لدول الخليج العربي فهي الخاصرة الجنوبية الرخوة، وهي مطل مهم على البحر الأحمر وعلى أفريقيا حيث تشرف على القواعد الإسرائيلية والإيرانية في باب المندب، وأي فوضى قد تدخل فيها اليمن لن تنجو دول الخليج من تداعياتها، خصوصاً أن حدود الخليج العربية قد أصبحت مضطربة بالكامل، لذلك يجدر بدول الخليج أن تتم مبادرتها وأن تستدرك منها الآثار السلبية التي ترتبت عن بقاء علي صالح في اليمن وبقاء أبنائه في السلطة، وأن تسهم في دعم الحوار اليمني - اليمني وتعزيز اتجاهه نحو الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره.
اليمن رصيد استراتيجي خطير في الأمن القومي الخليجي والعربي، واستقراره جزء من استقرار المنظومة الخليجية، والرهان على وحدة اليمن رهان على الوقوف في وجه مشروعات التقسيم الجغرافي وتفتيت الهوية داخل كل قطر عربي.