حديثنا اليوم يتناول عمل بلديات الديرة، فرغم اجتهاداتهم البارزة ومبادراتهم المتأتية من شكاوى المواطنين ومهاجمة الحشرات والعقارب والثعابين لمنازلهم، إلا أن المشكلة تتطلب همة عالية وعملاً سريعاً ومتابعة لا تنقطع للقضاء على معاناة تسبب الكثير من الأمراض والعلل.
ورغم أن بعض المناطق تعاني تخلفاً صحياً يتشارك مسؤوليته المواطن والعاملون في البلدية، لكن المطلوب مفتشون ذوو ذمة يخشون ربهم ويكون شعارهم أن يبقى المواطن بعيداً عن الأمراض والأوبئة، وعن أيدي المتلاعبين والمستغلين وضعاف النفوس والمرتشين بغية تمرير مشاريع تضر بصحة الآخرين مقابل حفنة دنانير تدس في جيوبهم.
أنا لا أتهم أحداً بعينه، لكني أنقل صوراً لمواطنين عانوا ويعانون من متسيبين لا هم لهم إلا مصلحة جيوبهم المنتفخة وبالتالي «مش اللعبة» و»ما يخدم بخيل» على رأي حسينوه في «درب الزلق»، بل الخوف أن يتحول هذا «الما يخدم بخيل» إلى ماركة مسجلة من خلال مراجعاتنا وخدماتنا، وألا يتوقف الموظف عن تأدية الخدمة إلى المراجعين ولا يهمه تعطيل أمورهم.
يبقى للنظافة جانب اقتصادي مهم لا يمكن إغفاله، فهي تتطلب موارد مالية كبيرة وحشد من المهندسين والفنيين والعمال يشغلون عدداً كبيراً من الآليات والمنشآت ذات العلاقة بالنفايات مثل مدافن النفايات ومنشآت فرزها وتدويرها، ما يعني بالنتيجة موارد صحية مهمة يدفعها المواطن من صحته لتوفير خدمات النظافة.
وبناءً عليه فإن تعاون المواطن له أثر كبير ليس فقط في تحقيق النظافة، بل في خفض انتشار الأمراض والقضاء عليها من خلال تجاوبه مع المسؤولين عن النظافة في الديرة، لكن الجانب الأهم هو المسؤولون في البلديات، وأهمية ألا تكون برامجهم تنتظر شكاوى الناس وتوصيلها للمسؤولين في محافظتهم لينقلها العاملون في المحافظة للنائب البلدي الذي قد يحملها لزميله النائب في البرلمان ويطلب من زملائه العون للدفع بها إلى أن تكون بمقدمة جدول الجلسات المقبلة، وإن لقي العون يتحقق الهدف، وإلا يعود للبحث عن باب مسؤول آخر يفتح له ليترجاه النظر في قضية المواطنين الذين يعانون من المشكلة، وإن تحرك المسؤول يحتاج إلى اجتماع، وإن قرر أن يجتمع مع الربع فسيتأكد أن الجميع هم داخل أسوار الديرة، فلا إجازات ولا مهمات خارجية.. والله يعين المتضرر من هكذا قضية.
وللنظافة تأثير مهم على المنشآت العامة حيث إنها تؤدي إلى سد شبكات تصريف مياه الأمطار، وإغراق الطرقات والشوارع وتحويلها إلى أنهار خصوصاً في موسم الأمطار وفيضان البواليع والمجاري، وتالي هات يا بعوض وانتشار سريع للصراصير ماركة الدفع الرباعي والنمل «بيغ سايز» الذي يغزو الحدائق والغرف بعيداً عن محاربته بالمبيدات، كما كان يفعل المسؤولون عن البلديات في الستينات.
أذكر ونحن صغار هناك سيارة «فليت» تجوب الفرجان والبيوت بحثاً عن القوارض والحشرات وكنا نفرح «كل واحد يسد خشمه ويدخل في الدخان وكأنه نازل في بركة سباحة». كما إن للنظافة تأثيرها على الصحة العامة، فهي تجذب الحشرات الضارة كالذباب والصراصير وتسهم في زيادة أعدادها، كما إنها تجذب القوارض والحيوانات الشاردة كالقطط والكلاب.
النظافة خدمة تحتاج إلى تفاعل وتعاون وثيق بين المواطن والجهة مقدمة الخدمة عكس باقي الخدمات التي يرتبط مستواها بقرار رسمي، كما إن النظافة خدمة يمكن للمجتمع المدني أن يسهم بدور فعال في تحقيقها، وكمثال على ما نقول هو موقع البلديات الإلكتروني والذي من المفترض أن يسهم في تعزيز الوعي بأهمية النظافة في البحرين من خلال تعريف المواطن بأهميتها وضرورتها.
إذاً نحن بحاجة إلى الاستمرارية في بث البرامج عن الصحة العامة والنظافة والتبليغ عن المخالفين في قواعدها، ولا بد أن البرامج التوعوية في الإذاعة والتلفزيون لها أثرها الطيب على الجميع، وألا تقتصر الأوامر لعمال النظافة فقط على حمل أكياس القمامة من أمام المنازل، بل يجب أن تتحول النظافة إلى ثقافة يعيها الجميع.
كانت لي تجربة مع عمال النظافة بعد رصدهم قرابة شهر، ومن سوء حظي أن بيتي على الشارع العام وأمام تقاطع زرعت جانبه واحدة من أشجار البلدية، والأخيرة يفترض أن تكون من مهماتها تزيين الشارع، لكن العكس هو ما حصل، فهذه الشجرة أصبحت تعيق الرؤية للمارة والسيارات وتحولت أوراقها إلى زبالة أمام المنزل بعدما زرعوها ونسوها هناك.
وكلما اجتهدت ولملمت الورق في جانب بعيد عن المنزل وبالضبط في موقع أكياس القمامة، أجد العمال يأتون في الصباح ليحملوا الأكياس ويتركون الورق ليعاود الانتشار أمام بيتي وبيوت الجيران، حتى إني فكرت أن أقتلع الشجرة من جذورها وأريح نفسي من زبالتها.
وعندما تطلب من العامل الذي يلملم أكياس البطاطس من الشارع أن يلم الأوراق يقول «هذي شغل مال نفر داخل سيارة.. يجي ويشيل هذي الشجرة وحنه نفر بس يشيل أكياس» ولا أدري هل هناك أنفار أخرى عندها تخصصات أخرى، أسأل البلديات عل عندها جواباً؟
الرشفة الأخيرة
طالما نحن لم نخرج من البلديات، أتذكر أنه قبل أكثر من ثلاث سنوات ـ إن لم تخني الذاكرة ـ طرحت الوزارة عبر موقعها الإلكتروني مشروع «نخلة لكل بيت».. سعدت كغيري من المواطنين أن يشملنا المشروع ويساعد في تزيين مناطقنا خاصة وأنا عاشق للزراعة والحدائق.
وسارعت بالدخول إلى موقع البلديات وتسجيل عنواني والبيانات المطلوبة وبدأت أمني النفس وأحدد الموقع الذي سأتفق مع العاملين لوضع النخلة فيه، وكلما شاهدت سيارة بلدية أو»سكسويل» على ظهره بعضاً من النخلات، قلت لنفسي لا تستعجل الأمور فدورك في الطريق يا ولد، واضح أنهم ضيعوا العنوان ومات المشروع وصار «قول بلا فعل».