سقط حكم الإخوان وبدأ العنف يتصاعد في المشهد المصري، فهل سقوط هذا الحكم يعني سقوط التنظيم الذي يعد من أقدم التنظيمات الإسلامية على مستوى الشرق الأوسط؟ أم أن المشهد أبعد من ذلك بكثير؟
جميع الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية خلال الفترة من 2010 ـ 2011 كانت تتمتع باستقرار سياسي وأمني كبير قبل الثورات، والسبب الرئيس لذلك طبيعة البيئة السياسية التي كانت تحكم تلك الأنظمة السياسية وإن كانت تعتمد على القمع بشكل رئيس.
ولكن مع الثورات الشعبية تغيّرت هذه البيئة بشكل كامل، حيث كان مسار القوة السياسية يقوم من الأعلى إلى الأسفل، بمعنى أن الحاكم هو الذي يملك القوة وينقلها للسيطرة على كافة الفاعلين السياسيين في النظام. إلا أن الثورات بمفهوم حرب اللاعنف من شأنها أن تغيّر هذه البيئة تماماً، حتى صارت معادلة القوة السياسية معكوسة، أي القوة تتركز في يد الفاعلين السياسيين وأبرزهم مكونات الشعب والقوى السياسية المختلفة. هذا التحول في القوة السياسية أدى إلى أن تتركز في يد الشعب، وبالتالي هو الذي يتحكم بمساراتها، وصارت لديه القدرة على التغيير السياسي المطلق في أي وقت وفي مختلف الظروف.
هذا ما حدث في مصر بتعقيدات المشهد السياسي هناك، فعندما انتهت النخبة الحاكمة في عهد الرئيس السابق مبارك انتقلت القوة من هذه النخبة إلى الشعب الذي امتلك بشكل مفاجئ ومفرط القوة السياسية في النظام، وعندما أجريت الانتخابات الرئاسية الديمقراطية وصعد الإخوان إلى سدة الرئاسة وشكلوا النخبة الجديدة الحاكمة كان التحدي الأهم، هو كيفية التعامل مع القوة السياسية التي لا تملكها النخبة الحاكمة الجديدة، بل يملكها الشعب وبقية الفاعلين السياسيين.
من الواضح أن الإدراك العام هناك كان يقوم على رفض شريحة واسعة للرئيس مرسي الذي انتخب عبر صناديق الاقتراع، ولم تكن هناك جهوداً واضحة من قبل الإخوان الذين حكموا مصر للحد من توزيع القوة السياسية بشكل قادر على احتواء جميع الفاعلين السياسيين. خاصة وأن الرئيس السابق محمد مرسي عندما فاز بالانتخابات الرئاسية لم تتعدى نسبته 51.7%، مما يعني أن نصف الشعب تقريباً غير مؤيد له، وهو ما يفرض عليه تحدياً بضرورة استيعاب بقية القوى السياسية وفئات الشعب المتنوعة في النظام السياسي، وهي مهمة لم يستطع الإخوان إنجازها لأسباب عديدة.
ونظراً لتركز القوة السياسية بعيداً عن النخبة الحاكمة (الإخوان آنذاك)، فإن حالة استقرار الفوضى هي النتيجة الحتمية لهذا المشهد. واستقرار الفوضى هنا تعني عدم قدرة أي قوة سياسية يمكن أن تصل إلى الحكم على ضبط البلاد والحفاظ على استقرار النظام السياسي أمنياً.
بالإضافة إلى ذلك فإن الاعتقاد السائد بأن مصر بدأت بناء نظامها الديمقراطي من جديد عندما سقطت النخبة الحاكمة في عهد الرئيس السابق مبارك لم تكن دقيقة، لأن القوة السياسية صارت تعانى من الفوضى وتوزيع عشوائي بين كافة الفاعلين السياسيين. وفي الوقت نفسه لم يتم تحييد أو الحد من نفوذ مؤسسة العسكر التي تتميّز بنفوذ سياسي كبير منذ خمسينات القرن العشرين، وهو ما أتاح للعسكر التدخل للإطاحة بالرئيس السابق مرسي. الأمر الذي يعني عدم إمكانية بناء نظام ديمقراطي مستقر في ظل توزيع القوة السياسية ووجود مؤسسة عسكرية نافذة.
التحدي الذي تواجهه مصر اليوم لا يتعلق بشكله الأساسي بحكم الإخوان أو استمراريتهم، وإنما بكيفية إعادة توزيع القوة السياسية بين جميع الفاعلين السياسيين في النظام. لأن استمرار البيئة الحالية في مصر تعنى عدم إمكانية استقرار مؤسسة الرئاسة سواءً حكمها الإخوان أو السلف أو اليسار أو الليبراليين أو أي قوة سياسية أخرى. فالضمانات غير موجودة في النظام السياسي المصري لتولي نخبة جديدة حاكمة إذا لم تتم معالجة هذه التحديات بأقصى درجة من التوافق السياسي المشترك.
الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط أدت إلى استقرار الفوضى، وما يحدث في مصر يمكن أن يحدث في أي دولة أخرى من دول الربيع العربي، ولا يتوقع أن تنتهي هذه الحالة إلا بعد 10 ـ 15 سنة. ونتائجها مكلفة للغاية لأنها تدفع إلى التطرف وبروز جماعات راديكالية تقوم أنشطتها على العنف وإنهاء أي استقرار سياسي أو أمني محتمل.
لهذا السبب ليس سقوط الإخوان مهماً بقدر فهم المشهد السياسي الحالي بشكل أكثر عمقاً، لأن القادم يمكن أن يكون أكثر عنفاً ودموية.
{{ article.visit_count }}
جميع الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية خلال الفترة من 2010 ـ 2011 كانت تتمتع باستقرار سياسي وأمني كبير قبل الثورات، والسبب الرئيس لذلك طبيعة البيئة السياسية التي كانت تحكم تلك الأنظمة السياسية وإن كانت تعتمد على القمع بشكل رئيس.
ولكن مع الثورات الشعبية تغيّرت هذه البيئة بشكل كامل، حيث كان مسار القوة السياسية يقوم من الأعلى إلى الأسفل، بمعنى أن الحاكم هو الذي يملك القوة وينقلها للسيطرة على كافة الفاعلين السياسيين في النظام. إلا أن الثورات بمفهوم حرب اللاعنف من شأنها أن تغيّر هذه البيئة تماماً، حتى صارت معادلة القوة السياسية معكوسة، أي القوة تتركز في يد الفاعلين السياسيين وأبرزهم مكونات الشعب والقوى السياسية المختلفة. هذا التحول في القوة السياسية أدى إلى أن تتركز في يد الشعب، وبالتالي هو الذي يتحكم بمساراتها، وصارت لديه القدرة على التغيير السياسي المطلق في أي وقت وفي مختلف الظروف.
هذا ما حدث في مصر بتعقيدات المشهد السياسي هناك، فعندما انتهت النخبة الحاكمة في عهد الرئيس السابق مبارك انتقلت القوة من هذه النخبة إلى الشعب الذي امتلك بشكل مفاجئ ومفرط القوة السياسية في النظام، وعندما أجريت الانتخابات الرئاسية الديمقراطية وصعد الإخوان إلى سدة الرئاسة وشكلوا النخبة الجديدة الحاكمة كان التحدي الأهم، هو كيفية التعامل مع القوة السياسية التي لا تملكها النخبة الحاكمة الجديدة، بل يملكها الشعب وبقية الفاعلين السياسيين.
من الواضح أن الإدراك العام هناك كان يقوم على رفض شريحة واسعة للرئيس مرسي الذي انتخب عبر صناديق الاقتراع، ولم تكن هناك جهوداً واضحة من قبل الإخوان الذين حكموا مصر للحد من توزيع القوة السياسية بشكل قادر على احتواء جميع الفاعلين السياسيين. خاصة وأن الرئيس السابق محمد مرسي عندما فاز بالانتخابات الرئاسية لم تتعدى نسبته 51.7%، مما يعني أن نصف الشعب تقريباً غير مؤيد له، وهو ما يفرض عليه تحدياً بضرورة استيعاب بقية القوى السياسية وفئات الشعب المتنوعة في النظام السياسي، وهي مهمة لم يستطع الإخوان إنجازها لأسباب عديدة.
ونظراً لتركز القوة السياسية بعيداً عن النخبة الحاكمة (الإخوان آنذاك)، فإن حالة استقرار الفوضى هي النتيجة الحتمية لهذا المشهد. واستقرار الفوضى هنا تعني عدم قدرة أي قوة سياسية يمكن أن تصل إلى الحكم على ضبط البلاد والحفاظ على استقرار النظام السياسي أمنياً.
بالإضافة إلى ذلك فإن الاعتقاد السائد بأن مصر بدأت بناء نظامها الديمقراطي من جديد عندما سقطت النخبة الحاكمة في عهد الرئيس السابق مبارك لم تكن دقيقة، لأن القوة السياسية صارت تعانى من الفوضى وتوزيع عشوائي بين كافة الفاعلين السياسيين. وفي الوقت نفسه لم يتم تحييد أو الحد من نفوذ مؤسسة العسكر التي تتميّز بنفوذ سياسي كبير منذ خمسينات القرن العشرين، وهو ما أتاح للعسكر التدخل للإطاحة بالرئيس السابق مرسي. الأمر الذي يعني عدم إمكانية بناء نظام ديمقراطي مستقر في ظل توزيع القوة السياسية ووجود مؤسسة عسكرية نافذة.
التحدي الذي تواجهه مصر اليوم لا يتعلق بشكله الأساسي بحكم الإخوان أو استمراريتهم، وإنما بكيفية إعادة توزيع القوة السياسية بين جميع الفاعلين السياسيين في النظام. لأن استمرار البيئة الحالية في مصر تعنى عدم إمكانية استقرار مؤسسة الرئاسة سواءً حكمها الإخوان أو السلف أو اليسار أو الليبراليين أو أي قوة سياسية أخرى. فالضمانات غير موجودة في النظام السياسي المصري لتولي نخبة جديدة حاكمة إذا لم تتم معالجة هذه التحديات بأقصى درجة من التوافق السياسي المشترك.
الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط أدت إلى استقرار الفوضى، وما يحدث في مصر يمكن أن يحدث في أي دولة أخرى من دول الربيع العربي، ولا يتوقع أن تنتهي هذه الحالة إلا بعد 10 ـ 15 سنة. ونتائجها مكلفة للغاية لأنها تدفع إلى التطرف وبروز جماعات راديكالية تقوم أنشطتها على العنف وإنهاء أي استقرار سياسي أو أمني محتمل.
لهذا السبب ليس سقوط الإخوان مهماً بقدر فهم المشهد السياسي الحالي بشكل أكثر عمقاً، لأن القادم يمكن أن يكون أكثر عنفاً ودموية.