محصّلة أداء الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد سبعة أشهر من بداية ولايته الثانية تدّل على مأزق سياسي يهدّد أجندته السياسية فيما تبقّى من هذه الولاية. فالرئيس الأمريكي يواجه فضائح من صنع إدارته تعرّضه لسيل من الانتقادات يصعب عليه الردّ عليها سواء كانت من حزبه الديمقراطي ومن خصمه الحزب الجمهوري.
فهناك فضيحة ملاحقة دوائر تحصيل الضرائب على الرموز المحافظة المناوئة للرئيس أوباما وحزبه يطغى عليها طابع الكيدية وينزع عن الرئيس صفة النزاهة والترفّع عن الممارسات الكيدية. أما الفضيحة الثانية وهي أخطر من الأولى فهي التناقض والكذب الذي يلاحق الرئيس الأمريكي في قضية الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي.
فمن جهة قلّل الرئيس من دلالات الهجوم ووصفها بعمل غير مسؤول عن مجموعات هامشية غاضبة بسبب الفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام بينما أفادت كافة تقارير الخارجية الأمريكية ودوائر الاستخبارات بعد التحقيق في ملابسات الهجوم أنه قد أُعدّ بعناية ومن قبل جهات محسوبة على القاعدة. الفضيحة الثالثة هي التنصت على وكالات الأخبار الأمريكية والدولية. الفضيحة الرابعة التي فجرها عميل وكالة الأمن الوطني سنودن بالتنصّت على المواطنين الأمريكيين وحتى الحلفاء في أوروبا وآسيا ما زالت تهزّ الإدارة ومؤسسات الأمن والاستخبارات الأمريكية.
صحيح أن هذه الفضائح أقّل تفجيراً من الفضائح التي أطاحت بريشارد نيكسون في ولايته الثانية (فضيحة واترغيت) والتي كادت تطيح برونالد ريغان (فضيحة الكونترا) أو الفضيحة الأخلاقية التي كادت تطيح ببيل كلنتون. لكن بالمقابل استطاع كل من نيكسون وريغان وكلينتون حماية إرثهم السياسي بإنجازات دخلت التاريخ الأمريكي.
فالرئيس نيكسون استطاع أن يفتح الصين للمصالح الأمريكية وأنقذ الكيان الصهيوني من الكارثة العسكرية في حرب تشرين 1973، بينما استطاع الرئيس ريغان إبرام معاهدة نزع السلاح الباليستي في أوروبا وحقق اللحظة التاريخية في دعوته لغورباشيف لهدم جدار برلين إضافة لدوره الريادي في الحرب الباردة. أما الرئيس كلنتون فكاد ينجز اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني ناهيك عن تركه الحكم بعد تحقيق أكبر فائض في الموازنة الداخلية التي بددها بعد بضعة أشهر خلفه الرئيس جورج بوش الابن. فماذا يمكن أن يبقى للرئيس اوباما للحفاظ على «إرث» سياسي ما وإلاّ لأصبحت ولايته الثانية ولاية رئيس أعرج!
لا يستطيع الرئيس أوباما أن ينجز أي شيء على الصعيد الداخلي مع الكونغرس الحالي. ما زالت الأكثرية الجمهورية داخل مجلس الممثلين تعارض أي مبادرة للرئيس أوباما. المهم عندهم إفشال الرئيس الأمريكي مهما كلّف الأمر وإن كانت على حساب المصلحة الوطنية. وتأتي الفضائح المذكورة لتغذّي حقد خصومه في الكونغرس لإبطال مشاريعه التشريعية على الصعيد الداخلي. فماذا يمكن أن يفعله ليجعل من إرثه السياسي يتجاوز أنه أول رئيس منحدر من أصول إفريقية كاسرا بذلك السقف الزجاجي للترقية السياسية والاجتماعية للأمريكيين السود؟
يعتقد عدد من المعلقّين الأميركيين كباتريك بيوكانان على سبيل المثال أن ليس من وسيلة للرئيس الأمريكي لإنقاذ إرثه السياسي إلاّ عبر تحقيق إنجاز كبير على الصعيد الخارجي. في هذا السياق احتمالان فقط لا غير: الأول إنجاز على صعيد الصراع الفلسطيني الصهيوني والثاني على صعيد الصراع مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
أما فيما يتعلّق بتحقيق معاهدة سلام نهائية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني فكافة المؤشرات تدّل على استحالة تحقيقها بسبب التعنّت الإسرائيلي بالنسبة للقدس وإيقاف بناء المستوطنات والرجوع إلى حدود 1967. فنتانياهو لا يستطيع ولا يريد ذلك ومطلبه بالاعتراف بيهودية الكيان على كافة الأراضي الفلسطينية تجهض أية محاولة للوصول إلى حلّ نهائي.
يبقى الملف الإيراني حيث ترى الإدارة الأمريكية فرصاً معقولة لتحقيق اتفاق أو تفاهم مع الجمهورية الإسلامية. فالإدارة تعتبر أنه يوجد مناخ سياسي في إيران يريد التقارب مع الولايات المتحدة. والدليل على ذلك حسب وجهة نظر الإدارة انتخاب روحاني إلى سدة الرئاسة. كما إن الأخير تعهد بمعالجة العقوبات المفروضة على الجمهورية وضرورة السعي إلى إلغائها أو التخفيف منها.
فهذا المناخ الجديد في إيران يمكّن التقارب بين الطرفين ويؤرق في نفس الوقت دول مجلس التعاون في الخليج. فالتقارب الأمريكي الإيراني المرتقب يقلق مستقبل هذه الدول التي تخشى تخلّي الولايات المتحدة عنها. من هنا يمكن فهم دوافع زيارة بندر بن سلطان إلى موسكو لتكون المملكة مشاركة بالحل الذي سينتج عن التفاهم الروسي الأمريكي المرتقب وليست خارجه فتدفع الأثمان الباهظة بمفردها.
لكن بغض النظر عن كل ذلك فإن قدرة الرئيس أوباما على تحقيق تقارب ملموس مع إيران رهن حرية تحرّكه في الداخل. فهناك مجموعة من القوى الضاغطة التي يموّلها المجمع العسكري الصناعي والأمني والتي لا ترى أي مصلحة في ذلك التقارب خاصة مع تعثّر المفاوضات مع الحكومة الأفغانية حول إمكانية إبقاء قوة عسكرية في البلاد غير خاضعة للسلطات الأفغانية. فالخروج المرتقب من أفغانستان يضعف الموقف الأمريكي في المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية. كما إنه لا يغيب عن البال الضغوط التي يمارسها اللوبي الصهيوني على الكونغرس الأمريكي لمنع أي تقارب مع الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى ذلك التراجع الملموس للحضور الأمريكي على الصعيد العالمي يفقد من حماسة خصوم الولايات المتحدة على إنجاز أي تقارب أو تفاهم طالما كان ذلك التراجع مستمراً. فلماذا التفاهم اليوم إذا كان من الممكن التفاهم غداً وبشروط أفضل بسبب تراجع الولايات المتحدة؟ في النهاية فإن الرئيس أوباما يعيش مأزقاً داخلي لا يمكن أن يخفف من وطأته إلاّ الإنجاز على الصعيد الخارجي وحتى ذلك الأمر يصبح مشكوكاً به يوماً بعد يوم.