في ظل البرمجة التي يبرمجك عليها المجتمع الذي تعيش بين أحضانه؛ برمجة والديك اللذين يريان أنهما يعطيانك أفضل ما يملكان من تجارب حياتية مقرونة بطاقة من الحنان، برمجة مدرسيك الذين يتصورون أنهم يساعدونك على المضي بصورة أقوى في دروب الحياة، برمجة الأصدقاء الذين يريدونك أن تكون مثلهم، برمجة الأكبر منك سناً ومعرفة وخبرة في شؤون الحياة، كلهم يريدونك أن تكون نسخة مصغرة من الرجال الذين كانوا يعتبرونهم قدوة.
أحد لم يسأل؛ ولكن ماذا تريد أنت؟ ما هي الصورة التي تحلم أن تكون عليها حينما تكبر ويشتد عودك وترى الحياة التي أمامك؟ ماذا تريد أن تكون بين أهلك وبين مجتمعك وأصحابك؟ هل تريد أن تكون النسخة المكررة أم أنك تريد أن تكون أنت كما تحلم أن تكون؟.
ولكن كيف يمكن أن تكون؟ ما هي الطريقة التي من خلالها يمكن أن ترى نفسك في الواقع كما تراها في الحلم؟
في تصوري أنك متى ما بلغت سن الرشد فستكون مسؤولاً عن كل صغيرة وكبيرة في حياتك، مسؤولاً عن القرارات التي تتخذها، مسؤولا عن المواقف التي تراها مناسبة لك ولأهلك ولمجتمعك، مسؤولاً عن حزنك وفرحك، فقرك وغناك. فأنت الآن تعرف الخطأ من الصواب، والخير من الشر، والحلال من الحرام.
لا تلقي اليوم اللوم على أهلك أو مجتمعك أو الظروف، لا تلقي اللوم على الحظ السيئ، فالحظ لا يأتي إلا بمن يكون مستعداً لاستقباله، والظروف دائماً تخضع لأصحاب القلوب الكبيرة، والعظمة هي للعظماء فقط.
ولكونك إنساناً عظيماً، خلقك الرب العظيم، فأنت لا تحتاج إلى كثير من المؤهلات لأنك تملكها بالفعل، ولكنك لم تكتشفها، وما عليك إلا العمل اليومي لاكتشاف غير المكتشف في إمكانياتك الهائلة التي تملك، ما عليك إلا محاولة الغوص اليومي في بحر ذاتك ومعرفة حركتها الداخلية والتعرف على طبيعة الجواهر غير المحدودة الموجودة عندك بين زوايا القلب.
ومن طبيعتي التأكيد بصورة دائمة على طاقة القلب التي تحمل في داخلها كل الطاقات الكونية، لأنها مرتبطة بها ارتباط تكوّن الجنين في رحم الأم، قطع المشيمة كان أول انفصال بين القطرة والمحيط، بين النور الطفل و النور الكوني.
من هنا فكل محاولات الإنسان الحقيقية هي الحلم بعودة القطرة إلى المحيط، وبعودة الطفل إلى الحضن الأول، وهذا لا يأتي إلا عن طريق عمل القلب، وإزاحة الغبار الاجتماعي والسياسي والدنيوي عنه، من أجل أن تكون عملية الاتصال أكثر قابلية، بالضبط كما يكون ضبط موجة استقبال الراديو أو التلفزيون على موجة الإرسال، بهذه الطريقة يمكننا استقبال كل ما موجود من نعم كونية، تحملها لنا المحبة، التي خلقنا من أجل نشرها وتوسيع رقعتها.
هل لاحظت أنك حين تبتسم كيف تتفتح داخلك وردة الحياة، وتنفتح المسارات المسدودة في جسدك، هل لاحظت بعدما قمت بمساعدة إنسان ما، كيف تفرح أنت أكثر ممن قدمت له الخدمة.
ادخل قلبك وستجد كل أبواب الحياة تفتح أمامك.. تأخيراً لا تتأخر؛ ادخل الآن فضاء القلب.