رغم صعوبة الأوضاع التي يمر بها العالم العربي من محيطه حتى الخليج إلا أنني متفائل!
سر هذا التفاؤل وسط هذه الظروف بالغة التعقيد هو إيماني بأن الأمة العربية مرت تاريخياً بظروف أشد تعقيداً، وحشرت كرات ومرات في عنق الزجاجة، لكنها تجاوزت الصعوبات والآلام نحو الانفراج وأن شعوبها خرجت من كل تجربة من تلك التجارب بعظات جمة وعبر بليغة أثرت في تاريخنا السياسي والأدبي، وحفرت هويتنا الثقافية وبنت ذاكرتنا وذاكرة أجيالنا، التي أثبتت خلال الأحداث المتسارعة منذ العام 2011 وحتى اليوم، أنها أكثر شجاعة وجرأة منا وأقدر على كسر التابوهات، وبرهنت على أنها أجيال مبدعة وخلاقة لم تقف في وجهها العوائق في مجتمعات، كل ما فيها عائق، ابتداءً من ظروف ضعف الإمكانات المادية الناجمة عن عقود من الخطط الاقتصادية غير الموفقة وكل ما يترتب على ذلك من مشكلات مستعصية حالت دون وجود تنمية طبيعية للحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية.
هذه الأجيال ترسم بفرشاة المعاناة وألوان الصعوبات مستقبلاً قد لا نتفق مع كل تفاصيله، ونرى أن فيه بعضاً من الجموح الذي تتسم به مرحلة الشباب، ولكن ذلك لا يجب أن يكون مبرراً للسعي لتكبيلهم وفرض تجارب اكتسبناها عبر سنوات الخبرة والممارسة عليهم، لأن محاولة التعويق والتكبيل تلك انتهت في أكثر من مناسبة مشهودة نهايات مأساوية كنا فيها الخاسر الأكبر، حيث انقطعت حبال التفاهم وأغلقت أبواب التواصل وكادت تلك القطيعة أن تنتهي بخسائر كبرى.
وكان الأجدى أن يكون علاج الجموح هو الترشيد عبر فتح قنوات الحوار البناء والنقاش الإيجابي لا الصدام والتشاحن.
وهو ما يقود للقول أنه وفي ظل هذه التحولات الكبرى، التي تفوق موجاتها العاتية أحياناً قدرة مجتمعاتنا الهشة على تحمل تبعات التغيير المفاجئ والصادم، تبرز الحاجة إلى التوافق والحوار الهادئ القائم على التخطيط لحل الأزمات واستيعاب الاختلاف ضمن التجربة الديمقراطية، وقبول الآخر بعيداً عن الإقصاء، خصوصاً بعد أن أثبتت عمليات المراهنة المتطرفة على المغالبات السياسية وحدها دون غيرها أنها قد تؤدي إلى نتائج غير مرضية، وأن بعض الممارسات الديمقراطية التي تعد ممارسات طبيعية في المجتمعات الراسخة في الديمقراطية، والتي اعتادت على الانتخابات والمظاهرات وحرية التعبير عن الرأي واعتياد اللجوء لمنظومة القضاء تلك الممارسات نفسها في ظل عدم وجود الوعي الكافي لآلياتها وضوابطها قد تؤدي إلى تعطيل الاقتصاد والإضرار بالمواطنين والاحتقان ورفع وتيرة العنف وصولاً إلى إزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات، والدخول في حالة من الفوضى يصعب الخروج منها، ويكون اللجوء إلى الحوار وخلق أرضيات للتفاهم الواعي والقدرة على التعاطي الهادئ والواعي والمنظم مع الأزمات السياسية، التي تمر بها مجتمعاتنا، بعيداً عن التشنج والاستقطاب، والذي ما أن ينزل إلى الشارع حتى يتسبب في خلق بيئة مناسبة للانقسام والفرقة والتأثير على النسيج الاجتماعي وتفتيت الوحدة الوطنية.
إن الأمة العربية اليوم في أمسّ الحاجة لأصوات العقل الراجح والحكمة المستنيرة لتهيئة أجواء التوافق أولاً، لتسري في شرايينها بعد ذلك عملية تحول ديمقراطي هادئ وتدريجي دون صدمات فجائية تجعل الدواء داء.