في ليلة العيد يقفون بسياراتهم في طابور طويل عند محطة البنزين المزدحمة بشيء من التوتر والضيق والاستعجال، كل منهم مشغول بأمور يحسبها من أهم الأولويات في يومه الحافل، تزدحم الذاكرة ويتشتت الانتباه أمام كمية المشاغل والأحداث التي يشيعها العيد مع حضوره، بعضهم يفكر كيف ينهي جدول أعماله المزدحم قبل نهاية اليوم ويلحق على مواعيده التي قد تأخر عنها لكونه عالقاً في زحمة السير والشوارع، والبعض الآخر مشغول بمراسلات المعايدة على هاتفه الذي يبدد وقت انتظاره في طابور السيارات، لا يدري عما يجري خارجاً وينسى البشر من حوله، وهناك من تشغله أمور العيد عن العيد نفسه وسننه؛ ينشغل في العيد عن الاحتفاء بالعيد إحساساً وديناً لا شكلاً ومظهراً!
عندما يقف أحدهم أمام عامل محطة البنزين يصادف أنه قد يفتح زجاج نافذة سيارته على استعجال ودون تركيز لإبلاغه عن كمية البنزين التي يودها دون أن يلقي بنظرة عابرة عليه حتى، يظل هذا العامل واقفاً على قدميه يجتهد في الإسراع على جانبي اليمين واليسار لكابينة الوقود لتعبئة السيارات الكثيرة العدد، بين ضغط التركيز على السيارة التي قام بتعبئتها والسيارة التي لم يعبئها بعد وبين الأخرى التي تنتظر «فكة» النقود منه؛ يمنح المبلغ وهو يحاول أن يتشارك لحظات العيد الجميلة معهم ويبدد شعور الوحدة والغربة وافتقاده لعائلته البعيدة عنه الموجودة في موطنه الأصلي، إذ كان في سنين مضت يشاركهم احتفالاتهم وأعيادهم فيبادر بكلمة آسيوية اللكنة قليلاً «شكراً أيييدكم مبارك -عيدكم مبارك-»، قد تفاجئ هذه الكلمة المار به الذي لم ينتبه لمشاعره ولا لإنسانيته، وقد يكون لم ينتبه له أصلاً بالمرة أو وضع له اعتباراً وأدخله ضمن معادلة من يتبادل معهم التهاني والتبريكات بمناسبة العيد!!
هذا العامل قد لا يكون مسلم الديانة؛ لكن يحدث أن يغزوه شعور الغربة وهو يرى الجميع مجتمعاً مع عائلته في السيارات فيما هو كما الصنم لا يشعر به أحد، ويحس بما يختزنه من رغبة في الاندماج في هذا المجتمع الكبير المحتفي بمباهج يراها ولا يعيشها، ولا يملك شيئاً من الإمكانات التي تساعده حتى على اقتطاع جزء من راتبه البسيط ولو بالشيء القليل اليسير لعيشها، قد يكتشف في نهاية يومه وهو عائد إلى مأواه المتواضع؛ لا أحد تقاسم معه تهاني العيد ومده بشيء من بهجتها رغم أنه في مجتمع إسلامي الهوية يدعو إلى الرحمة والعطف ومنهجه يقوم على الحب والتكافل، قد تكون كلمة عابرة من أحدهم وهو يمد يده له بالنقود «كل عام وأنت بخير» وبابتسامة جميلة صادرة من القلب كلمة تقلب الموازين عنده وتغير خارطة كل هذه المشاعر والأحاسيس وتمنحه شيئاً من الدفء أمام الشعور الذي يمتلئ به داخلياً المعنون بغربة العيد، قد يكون منحه ما تبقى من «فكة» النقود ليحتفظ فيها كـ»بقشيش» عيدية جميلة تدفعه لصرفها في وجبة عشاء بسيطة أو تناول الحلويات ومن ثم الدخول في حسبة المحتفين بالعيد فعلاً وتصرفاً.
هذا مثال واقعي لأحد المشاهد التي قد تحدث ليلة العيد ونحن نطوف مشغولين في العيد لا مشغولين بالعيد وإحيائه كفرحة تتناقل في ما بيننا كبشر، لا مشغولين بهندسة السعادة وفلسفة الفرح وإضاءة أنوار المودة عند هؤلاء العاملين المغتربين عن عائلاتهم وأوطانهم، يفوت علينا كمسلمين أن العيد مناسبة إسلامية «مناسبة» جداً في اغتنامها لمد جسور التواصل مع المسلمين وغير المسلمين أيضاً، والتعريف باحتفالاتنا ومناسباتنا ومن ثم اكتشاف إسلامنا، يفوت علينا أننا في العيد نحصل على فرصة لنكون سفراء للإسلام ومباهجه ومن الدعاة إليه لهؤلاء غير المسلمين بتصرف بسيط لا يكلف شيئاً قد يشجعهم للدخول في الإسلام أو يفتح بوابة نور الإيمان والهداية في قلوبهم دون أن ندري!! قد يفتح باب الاهتمام وشد الانتباه لهم وهم يتابعون كيف نحاول إشاعة ثقافة العيد وسننه، خصوصاً الأيام التي تسبقه، أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، والتي من الواجب فيها الإكثار من الصدقة والذكر، وأعمال الخير من أعظمها كالحج، إلى أبسطها كالابتسامة في وجوه الآخرين.
ما فائدة أن نسخر كل أوقاتنا في التجهيز للعيد واقتناء أحسن الملابس وأفخمها وإعداد الأطعمة وتجهيز الأماكن وتطييب الجسد، فيما النفس مشغولة بكل هذا وغير مشغولة بتجديد العهد مع الله، غير مشغولة بإقناع من حولنا من غير المسلمين لإدخالهم في الإسلام وبتطبيق أركانه ومبادئه وأحكامه، بمعايدة الله عن طريق التراحم مع عباده وخلقه.
العيد منبه جميل يأتينا في السنة مرتين، يذكرنا بالوقت الذي أمضيناه وأشغلتنا الدنيا فيه عن الفرح في سبيل الله، عن هندسته بالإحساس والحب والتعايش مع الآخرين سواء مسلمين أو غير مسلمين لتجديد العهد مع الله، إنه فرصة لمن يشاء فيه اغتنام أجوائه وتوسعة الشريحة المحتفية به، اجعلوا العيد كما المرض المعدي المنتشر في جميع أرجاء الوطن الذي يلتقطه الناس من بعضهم بعضاً ويعدون به غيرهم بالبهجة، اجعلوا العيد أنفلونزا تزكم بها القلوب والأنفس فرحاً وسعادة للمسلمين ولغير المسلمين، فما العيد إلا بوابة من بوابات التعرف على الإسلام وأركانه.. فجميل أن تعايد أهلك وإخوتك في العيد؛ لكن الأجمل أن تعايد الله من خلال تطبيق العبادات والأخلاق التي يدعو إليها مع عباد الله.
- إحساس أخير..
قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»، كما قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة»، وقال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة»، لما لهذا اليوم من عظمة ومكانة يستحب فيه الإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة وصوم وذكر وصدقة، فليبادر كل واحد منا في هذا اليوم المبارك بشراء الحلويات وتوزيعها على العمال في الشوارع ومحطات البنزين، وليعمل على توسيع دائرة دعائه بالاستغفار والتوفيق والخير لكل من يعرفه في محيطه ولجميع المسلمين.
نسأل الله أن يكرمنا بأن نكون ممن يعتقنا من النار ويكتب لنا الخير والفلاح.. وكل عام وأنتم بخير وعيدكم بالفرح أضحى وأزهى.
عندما يقف أحدهم أمام عامل محطة البنزين يصادف أنه قد يفتح زجاج نافذة سيارته على استعجال ودون تركيز لإبلاغه عن كمية البنزين التي يودها دون أن يلقي بنظرة عابرة عليه حتى، يظل هذا العامل واقفاً على قدميه يجتهد في الإسراع على جانبي اليمين واليسار لكابينة الوقود لتعبئة السيارات الكثيرة العدد، بين ضغط التركيز على السيارة التي قام بتعبئتها والسيارة التي لم يعبئها بعد وبين الأخرى التي تنتظر «فكة» النقود منه؛ يمنح المبلغ وهو يحاول أن يتشارك لحظات العيد الجميلة معهم ويبدد شعور الوحدة والغربة وافتقاده لعائلته البعيدة عنه الموجودة في موطنه الأصلي، إذ كان في سنين مضت يشاركهم احتفالاتهم وأعيادهم فيبادر بكلمة آسيوية اللكنة قليلاً «شكراً أيييدكم مبارك -عيدكم مبارك-»، قد تفاجئ هذه الكلمة المار به الذي لم ينتبه لمشاعره ولا لإنسانيته، وقد يكون لم ينتبه له أصلاً بالمرة أو وضع له اعتباراً وأدخله ضمن معادلة من يتبادل معهم التهاني والتبريكات بمناسبة العيد!!
هذا العامل قد لا يكون مسلم الديانة؛ لكن يحدث أن يغزوه شعور الغربة وهو يرى الجميع مجتمعاً مع عائلته في السيارات فيما هو كما الصنم لا يشعر به أحد، ويحس بما يختزنه من رغبة في الاندماج في هذا المجتمع الكبير المحتفي بمباهج يراها ولا يعيشها، ولا يملك شيئاً من الإمكانات التي تساعده حتى على اقتطاع جزء من راتبه البسيط ولو بالشيء القليل اليسير لعيشها، قد يكتشف في نهاية يومه وهو عائد إلى مأواه المتواضع؛ لا أحد تقاسم معه تهاني العيد ومده بشيء من بهجتها رغم أنه في مجتمع إسلامي الهوية يدعو إلى الرحمة والعطف ومنهجه يقوم على الحب والتكافل، قد تكون كلمة عابرة من أحدهم وهو يمد يده له بالنقود «كل عام وأنت بخير» وبابتسامة جميلة صادرة من القلب كلمة تقلب الموازين عنده وتغير خارطة كل هذه المشاعر والأحاسيس وتمنحه شيئاً من الدفء أمام الشعور الذي يمتلئ به داخلياً المعنون بغربة العيد، قد يكون منحه ما تبقى من «فكة» النقود ليحتفظ فيها كـ»بقشيش» عيدية جميلة تدفعه لصرفها في وجبة عشاء بسيطة أو تناول الحلويات ومن ثم الدخول في حسبة المحتفين بالعيد فعلاً وتصرفاً.
هذا مثال واقعي لأحد المشاهد التي قد تحدث ليلة العيد ونحن نطوف مشغولين في العيد لا مشغولين بالعيد وإحيائه كفرحة تتناقل في ما بيننا كبشر، لا مشغولين بهندسة السعادة وفلسفة الفرح وإضاءة أنوار المودة عند هؤلاء العاملين المغتربين عن عائلاتهم وأوطانهم، يفوت علينا كمسلمين أن العيد مناسبة إسلامية «مناسبة» جداً في اغتنامها لمد جسور التواصل مع المسلمين وغير المسلمين أيضاً، والتعريف باحتفالاتنا ومناسباتنا ومن ثم اكتشاف إسلامنا، يفوت علينا أننا في العيد نحصل على فرصة لنكون سفراء للإسلام ومباهجه ومن الدعاة إليه لهؤلاء غير المسلمين بتصرف بسيط لا يكلف شيئاً قد يشجعهم للدخول في الإسلام أو يفتح بوابة نور الإيمان والهداية في قلوبهم دون أن ندري!! قد يفتح باب الاهتمام وشد الانتباه لهم وهم يتابعون كيف نحاول إشاعة ثقافة العيد وسننه، خصوصاً الأيام التي تسبقه، أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، والتي من الواجب فيها الإكثار من الصدقة والذكر، وأعمال الخير من أعظمها كالحج، إلى أبسطها كالابتسامة في وجوه الآخرين.
ما فائدة أن نسخر كل أوقاتنا في التجهيز للعيد واقتناء أحسن الملابس وأفخمها وإعداد الأطعمة وتجهيز الأماكن وتطييب الجسد، فيما النفس مشغولة بكل هذا وغير مشغولة بتجديد العهد مع الله، غير مشغولة بإقناع من حولنا من غير المسلمين لإدخالهم في الإسلام وبتطبيق أركانه ومبادئه وأحكامه، بمعايدة الله عن طريق التراحم مع عباده وخلقه.
العيد منبه جميل يأتينا في السنة مرتين، يذكرنا بالوقت الذي أمضيناه وأشغلتنا الدنيا فيه عن الفرح في سبيل الله، عن هندسته بالإحساس والحب والتعايش مع الآخرين سواء مسلمين أو غير مسلمين لتجديد العهد مع الله، إنه فرصة لمن يشاء فيه اغتنام أجوائه وتوسعة الشريحة المحتفية به، اجعلوا العيد كما المرض المعدي المنتشر في جميع أرجاء الوطن الذي يلتقطه الناس من بعضهم بعضاً ويعدون به غيرهم بالبهجة، اجعلوا العيد أنفلونزا تزكم بها القلوب والأنفس فرحاً وسعادة للمسلمين ولغير المسلمين، فما العيد إلا بوابة من بوابات التعرف على الإسلام وأركانه.. فجميل أن تعايد أهلك وإخوتك في العيد؛ لكن الأجمل أن تعايد الله من خلال تطبيق العبادات والأخلاق التي يدعو إليها مع عباد الله.
- إحساس أخير..
قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة»، كما قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة»، وقال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة»، لما لهذا اليوم من عظمة ومكانة يستحب فيه الإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة وصوم وذكر وصدقة، فليبادر كل واحد منا في هذا اليوم المبارك بشراء الحلويات وتوزيعها على العمال في الشوارع ومحطات البنزين، وليعمل على توسيع دائرة دعائه بالاستغفار والتوفيق والخير لكل من يعرفه في محيطه ولجميع المسلمين.
نسأل الله أن يكرمنا بأن نكون ممن يعتقنا من النار ويكتب لنا الخير والفلاح.. وكل عام وأنتم بخير وعيدكم بالفرح أضحى وأزهى.