عندما كتبت مقالاً نهاية الأسبوع الماضي بعنوان «عفواً متى نتعلم!» كنت أدرك جيداً ردود الأفعال المحتملة من قبل المؤسسات الحكومية تجاه تصريحات أو بيانات أو تقارير منظمة «هيومن رايتس ووتش» التي سمحت الحكومة بدخولها للبلاد في «إطار التعاون الثنائي، وتوضيح الحقائق»، فماذا كانت النتيجة؟ ببساطة تصريحات مضللة ومزيفة للحقائق وبعيدة كل البعد عن الإنصاف والموضوعية وحتى المهنية، هذا ما صدر عن المسؤولين في المنظمة عندما أقاموا مؤتمرهم الصحافي بالعاصمة البحرينية. فهل هذا هو التعاون الثنائي المطلوب؟لو صدرت هذه التصريحات للمسؤولين في المنظمة وهم بالخارج لكانت معقولة، لأنها فاقدة المصداقية، ولكن الحكومة منحتهم المصداقية المفقودة عندما سمحت لهم بالدخول إلى أراضي البحرين، وزيارة بعض المؤسسات والشخصيات. فمن كان بالخارج واستمع للتصريحات المضللة سيدرك جيداً أنها تصريحات تعكس واقعاً حقيقياً، فوفد المنظمة زار المنامة، وقابل المسؤولين، والتقى السياسيين والبرلمانيين ورجال الدين، وكذلك الناشطين الحقوقيين، وعليه فإن تصريحات المسؤولين في «هيومن رايتس ووتش» دقيقة وواقعية!ما الهدف والنتائج الناجعة التي ترتبت على السماح بزيارة وفد من منظمة حقوقية دولية للبحرين؟ لا أعتقد أن هناك أهدافاً ونتائج إيجابية تحققت بعد هذه الزيارة، بل العكس الزيارة ساهمت في تشويه سمعة البحرين، فنظرة القائمين على «هيومن رايتس ووتش» قاصرة وترى من منظور الجماعات الراديكالية في البحرين، فلا يمكن لأي عاقل أن يقول إنه لا إصلاح في البلاد!الحكومة انشغلت أمس الأول بتوجيه الانتقادات الحادة لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، وكأن تصريحات مسؤولي المنظمة بشأن الأوضاع في البحرين كانت مفاجأة وجديدة. فجميع من في الحكومة يدركون جيداً تاريخ هذه المنظمة ومواقفها تجاه البحرين، ويعلمون أيضاً طبيعة تعاملها وعلاقاتها مع الجماعات الراديكالية. ولذلك صدر بيان أمس من وزارة الداخلية أكد أن «الاتهامات الموجهة توحي بأن ممثليها اتخذوا موقفهم قبل المجيء للبحرين وبيانهم مناقض لنفسه». أما وزارة التنمية الاجتماعية فأشارت إلى أن بيان المنظمة «تضمن فقرات منحازة وحادة وذات أهداف مسبقة لإظهار الوضع بخلاف الواقع». إذاً الحكومة كانت على قناعة بأن منظمة «هيومن رايتس ووتش» كانت لها أجندة مسبقة قبل دخول وفدها البحرين، فلماذا يتم السماح لها؟تشددنا في مسألة رفض دخول المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية للبحرين لا ينطلق من رفض التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني بالداخل والخارج نهائياً، وإنما يقوم على رفض المساس بسيادة الدولة، والتدخل بشؤونها الداخلية. فلا يمكن بأي شكل من الأشكال السماح لحكومة أجنبية التدخل في شأن البحرين والمطالبة بإطلاق سراح عدد من الإرهابيين، وكذلك الحال بالنسبة للمنظمات الأجنبية.المسألة هنا تتعلق بالسيادة الوطنية، ولا يمكن التفريط بها مهما كانت الأسباب. فكما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية التي لن تسمح بدخول وفد لجمعية البحرين لحقوق الإنسان لمراقبة الأوضاع الإنسانية لمعتقلي غوانتنامو لأنه مساس بسيادتها الوطنية، فإن البحرين أيضاً ينبغي أن ترفض المساس بهذه السيادة، وترفض دخول وفود المنظمات الأجنبية التي ترغب في الاطلاع على شؤون محلية لا دخل لها فيها. نتمنى أن يكون هذا هو الدرس الأخير في التعامل مع المنظمات الحقوقية الدولية، حتى لا نتساءل عن اليوم الذي ستزورنا فيه منظمة «هيومن رايتس ووتش» مرة أخرى.