تقول فيروز «شايف القمر شو بعيد!»، ويرد آخر فتحقيق الأحلام أمر مستحيل، ويرى غيرهما أن كل أمر ممكن أن يكون يسيراً طالما أنه يوجد للمرء العزم الصحيح لتعديل واقعه المرير بما يتماشى مع القيم والدين، لذلك لا بد من إدخال عمليات التجميل على سلوكيات حياة الفرد، على أن تتم بالرضا والطيب حتى لا يحيد صاحب التغيير عن الطريق الرزين بأسرع من رمي الحصى في البئر.
كنت صغيرة لا أذكر بالتحديد كم كان عمري في ذلك الزمن الجميل؛ عندما أنهت إحدى جاراتنا حديثها المشوق الطويل بمثلٍ ينسجم مع الحاضرين «عادت حليمة لعادتها القديمة»، لقد استمتعت بما ذكرته صاحبة العقل الرزين، إلا أنني شككت بالاسم الوارد في المثل القديم لأنني على دراية بأنه لا يوجد بين الجالسات من تحمل هذا الاسم إلا إن كانت تذكره بالخفاء!!!
وبدأت أتساءل لعلها إحداهن بدلت اسمها من دون علمنا، أو أنها في مخطط إلى التغيير.. ولماذا قالت جارتنا «حليمة» ولم تقل ريما مع، أن اسم ريما حديث ولن يكسر وزن المثل؟ ومع الوقت عرفت قصة المثل وعرفت من هي «حليمة» التي أخذت بهذا المثل شهرة توازي شهرة زوجها حاتم الطائي الذي عرف بكرمه الغامر وهي عرفت ببخلها الجاحد، فقد كان تغييرها للكرم نتيجة إقناع زوجها لها بأن الله سيمد في عمرها سنين في حال زادت السمن مع الطحين، وبدأت حليمة تزيد وتزيد دون إدراك أو حسيب، إلى أن واجهت اليوم العصيب بفراق فلذة كبدها الحبيب، وشعرت أن الحياة من دونه لا تحمل معنى غير الجحيم، وتذكرت أن تختصر تلك السنين بالرجوع لعهدها القديم المتمثل بالبخل المدقع القديم.
يا ترى كم سنكون نشبه «حليمة» ونعود نرتبط بعاداتنا الأليمة بانقضاء الشهر الفضيل، أليس الكل يتسابق في البذل ومنح المزيد من العطاء للمتعفف والفقير. تتناثر الابتسامات في وجه هذا وذاك، وكيف لا؟ فهذا شهر الرحمن الذي به أنزل القرآن، ونحرص على ختامه في الشهر بدل المرة مرتان، ونسعى إلى زيادة الحسنات ونحسن النية في الجميع ونصل الأرحام ونقطع الشك ليحل محله اليقين، أصبحنا في هذا الشهر الكريم نفهم معنى أن نعطي أخانا بدل العذر الواحد سبعة وسبعين، وأن لا نسيء الظن بالمقربين، وأن نصل الأرحام ونقدم المشورة للمستضعفين، فالبعض يملك القدرة أن يستغل حلول الشهر الفضيل كي يأخذ أول خطوة تغيير للأحسن، والبعض الآخر يعتبره هدنه من الضوضاء والضجيج ويحفظ نفسه ويعيش مدة تسعة وعشرين يوماً أو ثلاثين. فالله جل في علاه قال في محكم التنزيل (إن الذكرى تنفع المؤمنين)، ولأننا بشر من ماء وطين وبحب أنفسنا معجونين وعلى النسيان مفطورين؛ فأتمنى أن لا نكون سريعين في العودة إلى العهد القديم، وأن نحفظ أنفسنا والآخرين من تفكيرنا السيء الشرير ومن لسان سليط على الكبير والصغير وتفكير خالٍ من الحقد الكبير، فلم تفرق حينها إذا كانت «حليمة» أو «ريما» هي من الكلام المقصود في حال انتم لا تنوون على حسن التغيير، وكان ما مررتم به لا يتعدى أن يكون هدنة تتماشى مع الجو الرحماني البديع وسينقضي مع آخر أيام العيد على الأكثر.