لو كانت الجمعيات المعارضة تطبق «فعليا» قولها بأن حراكها «سلمي» بحت، لكان وضع البحرين أفضل مما عليه الآن وسط أجواء القلق والخوف بسبب أعمال التخريب والإرهاب، لكان الجميع مازال جالسا (أو انتهى) من طاولة الحوار وتوافقوا على خطوط عامة من أجل هذا البلد وأهله، لو كانت النية بالفعل هي «الإصلاح» والتقدم للأمام.
يقول الأكاديمي الأمريكي «رالف والدو إيميرسون» إن «السلام لا يمكن أن يتحقق من خلال العنف، السلام يتحقق فقط من خلال التفاهم».
كثيرون يعرفون هذه الأدبيات، بل ويتغنون بها، لكن حينما تأتي للتطبيق، يقتصر ذلك على الكلام والتنظير فقط، إذ الأفعال تتناقض تماماً مع الأفعال.
كنا نقول ومازلنا بأن عودة البحرين لما كانت عليه وحتى تقدمها للأفضل لن تكون مسألة متحققة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، إذا استمرت جهات تنفخ في الناس وتوغر صدورهم وتصور لهم بأن البلد التي عاشوا فيها واستفادوا منها ولهم حقوق فيها وعليهم واجبات تؤدى، هي بلد يجب حرقها كل يوم حتى يتحقق لهم ما يريدون من مكسب سياسي يخدم فئات معينة لا مصلحة عامة تطال جميع الشعب.
من يريد الخير لهذه البلد لا يقوم بالعبث بأمنها، لا يقوم بحرقها، ولا يفرح حينما يرى الناس تتباعد فيما بينها، وتتحول العلاقات الإنسانية إلى علاقات قائمة على العداء والفرقة بسبب الأقوال والأعمال.
لا أحد يتطلع للعيش في سلام سيتقبل الإرهاب وممارسيه، لا أحد سيتعاطف مع «إرهابي» حتى لو كان يقول إن مطالبه معيشية وإنه يريد مزيداً من الحقوق.
كثير من الناس يعانون من هموم معيشية ومن مؤرقات وهموم، ويطالبون الدولة بأن تصحح الأوضاع، بل ينتقدون بقوة وقسوة، لكن رغم ذلك، لا يدفعهم هذا إلى حرق البلد واستهداف الحياة العامة والعمل على إحداث خلل في النظام السياسي وتغيير جلد الدولة بأكمله.
بعض المتحدثين في المعارضة يسعون دائما لتحريك مشاعر الفئات التي تقف منهم موقف الضد وتخالفهم في الأقوال والأفعال والمرامي والأهداف، هؤلاء المتحدثون يريدون كسب تعاطف هذه الفئات، وهي مسألة من الاستحالة أن تحصل، خاصة وأن الناس باتت ترى كيف وصل الإرهاب إلى أبواب بيوتها، باتت تعاني في حياتها بسبب سد الطرقات والحرق والتخريب، وباتت ترى سكوت المتحدثين عن هذه الأفعال وكأنهم يوفرون الغطاء والحماية لها.
كيف تسد الشارع بإطارات محروقة وتسكب الزيت في الشوارع حتى تنزلق السيارات ويتضرر الناس، ثم تأتي لتطالب الناس بأن يتعاطفوا معك لأنك تحمل هموماً وتعاني من مشاكل؟!
الحلول لا تكون أبداً بالعنف وترسيخ ثقافة الكراهية ومناهضة الدولة خاصة إن كانت الأخيرة تعمل من أجل الإصلاح والتطوير ولو كانت الوتيرة غير متسارعة بسبب الظروف المحيطة بالأخص ما يحدث في الداخل من سجالات؟!
الحلول تكون عبر التفاهمات والحوار والالتقاء في نقاط عامة تكون منصبة في خدمة المصلحة العامة وخدمة الناس مهما اختلفت انتماؤاتهم وتبايناتهم، لا الحوار من أجل تغليب الكفة وجعلها أرضية لفوضى قادمة.
ما يحصل في البحرين من فوضى خلق مساحات شاسعة بين من يريد اليوم (إن افترضنا حسن النوايا) أن يصحح مساره من جمعيات ومتحدثين وبين الناس الذين باتوا ينظرون لهؤلاء بنظرة المتوجس الذي لا يريدون أبداً تصديق من اعتبروه «منقلباً» على البلد، ومن خرجت منه جمل الطائفية والتحشيد والكراهية. كيف يثق بكم الناس وأنتم من فرضتم عليهم أن يتعاملوا معكم وكأنكم أعداء، تقدمكم يعني تضررهم، مكاسبكم تعني خسائر لهم، الجلوس معكم يعني القبول بانقلاب على الدولة؟!
تحقيق السلام لا يكون بالعنف أبداً، ومن يريد أن يقنع الناس بسلميته باستخدام الكلام فقط فلن يصدقه أحد، حتى هو لن يصدق نفسه (داخلياً) طالما يرى في الإرهاب والتخريب وسيلة لتحقيق مراميه.
تريدون خطاباً بالعقل، هذا ما يفرضه العقل، الإرهابي لا يكون بانياً للمجتمعات، ومن يحمي الإرهاب كيف يمكن بعد ذلك أن يصدق الناس بأنه سيكون حامياً للحريات العامة أميناً على التعددية التي لا تنتقص من حقوق الجميع؟!