كمخرج وكمؤلف توسع باراك أوباما في صفحات سيناريو فيلم «سوريا» مما أفقده القدرة على التركيز، وفي محاولة منه لإمساك خيوط السرد للوصول إلى نهاية معقولة - حتى وإن لم تكن مقبولة - أخذ أوباما في قتل أبطال فيلمه واحداً بعد الآخر. فقد كان المشهد الافتتاحي غضب أمريكي ووعد بتسليح المعارضة، لكن الخوف من القاعدة جعل نوعيته تتدرج حتى وصلت للدعم بالملابس والأحذية العسكرية فقط، بل إن أوباما في إصراره على الإجهاز على هذا الحل، طالب الخليجيين بوقف تسليح المعارضة. وبعد هجمات كيماوية عدة وآلاف الضحايا رسم أوباما خطه الأحمر، لكن مجزرة الغوطة قتلت هذا الحل أيضاً. وكان على واشنطن خلق حل جديد، لكن التهديد بالضربة وتلاشي الدعم الأوروبي جعل أوباما يقضي عليه بتحويل التفويض للكونغرس فمات مشروع الضربة ومات مشروع التفويض الشعبي بالمبادرة الروسية. فهل ستموت المبادرة نفسها ويعود أوباما ليتعامل معها ببدائية فيطرح الحلول ثم يقتلها؟ نميل إلى أن التسوية الكيميائية ستموت للأسباب التالية:
- مارس بوتين دبلوماسية عالية المخاطر لكنه حقق بالمبادرة الروسية نجاحاً منقطع النظير لموسكو فهل سيتركه أوباما يستمتع بذلك وهو الذي لا يطيقه لا على المستوى الشخصي ولا على مستوى التوازنات الإقليمية!
- في الكتاب السنوي 2008، لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي نقرأ أن روسيا أقرت في 2007 بوجود أسلحة كيماوية في ست مواقع تريد الخلاص منها، لكنها أخذت في ابتزاز العالم لدفع تكاليف التدمير. وقد تعهدت فرنسا وبريطانيا بالمشاركة فمددت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مهلة التدمير حتى نهاية 2012، لكن روسيا لم تنته ولن تغلق هذا الباب، بل راحت في بيع درس الابتزاز للأسد.
- ولعلنا زيادة في التوثيق نذكر القارئ أن المبادرة فكرة إسرائيلية المنشأ طرحها رئيس الأركان الإسرائيلي قبل أن تعلنها موسكو بأسبوع. و«التسوية الكيميائية» هي مسمى مهذب لما هو أكثر وقاحة فما تريده إسرائيل هو «الأزمة الممتدة» وليس الحل الناجز حتى يهشم الصراع الطويل عظام كلا الطرفين المتنازعين لصالحها.
- نكاد نميل إلى تبني نظرية المؤامرة الكلاسيكية والقول إن الهجوم الكيماوي على الغوطة كان مدبراً لخلق ظرف يعيد لموسكو الدور الذي تلعبه حالياً، يرافقها توسع الأسد بقتل شعبه بالسلاح التقليدي ليحسن موقفه العملياتي فيما العالم مشغول بأزمة حافة الهاوية التي صنعها، كما يدفعنا لذلك تبني الأسد بشكل رسمي وسريع للخطة الروسية، ثم تلقي الأمم المتحدة طلباً لانضمامه لمعاهدة الحد من استخدام الأسلحة الكيماوية التي طالما رفضتها بحجة عدم توقيع إسرائيل على حظر السلاح النووي.
إن تفتيت الأزمة السورية إلى إشكاليات بسيطة بدعوى حل كل واحدة على حدة فمرة كيماوية ومرة قتل الأطفال ومرة مقاتلين أجانب ما هو إلا إزاحة للوعي من حيز الحلول الشاملة وإدخالنا حيز الحلول التقنية القاصرة وغير المجدية. وحسناً فعلت دول مجلس التعاون الخليجي حين أعلنت كموقف مبدئي أن المبادرة الروسية لن توقف نزيف الدم، وحسناً فعلت ذلك لأن الفيلم السيئ الإخراج والسيناريو سيتطلب من المنتج الخليجي وشركائه الإقليميين الآخرين وضع ميزانية إضافية لإنجازه. فمن وجهة نظر وزير الخارجية الروسي «إن بعض الدول كانت مستعدة لتمويل الحرب في سوريا، وهناك دول مستعدة لتمويل الحل السلمي». وما ذلك إلا عصا ترهيب لدول الخليج لتكون جزءاً من الحل كما كانت جزءاً من الأزمة منذ يومها الأول. بل إن كيري قال إن «موسكو وواشنطن ستتحملان جزءاً من النفقات. أما الأموال المتبقية، فسيتم جمعها عبر آليات الأمم المتحدة»، وحتماً ستجد تلك الآليات طريقها للصناديق السيادية الخليجية فالجزرة هو أن تنتهي المهمة بسرعة وفي تسعة أشهر تتزامن مع انتهاء ولاية الأسد نفسه. لقد قتل أوباما جميع أبطال ملهاته في سوريا نتيجة لفقدانه القدرة على التركيز، ولم يكفه ذلك فأجرى بعض عمليات المونتاج على الفيلم كحذف منظر رجل يرتعش بعد أن فقد السيطرة على جهازه العصبي جراء تعرضه لغاز الأعصاب من قوات الأسد. فهل لمن يمول الفيلم دور في إعادة تركيز المخرج في بنود التسوية الكيم يائية؟!
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج ظافر العجمي
- مارس بوتين دبلوماسية عالية المخاطر لكنه حقق بالمبادرة الروسية نجاحاً منقطع النظير لموسكو فهل سيتركه أوباما يستمتع بذلك وهو الذي لا يطيقه لا على المستوى الشخصي ولا على مستوى التوازنات الإقليمية!
- في الكتاب السنوي 2008، لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي نقرأ أن روسيا أقرت في 2007 بوجود أسلحة كيماوية في ست مواقع تريد الخلاص منها، لكنها أخذت في ابتزاز العالم لدفع تكاليف التدمير. وقد تعهدت فرنسا وبريطانيا بالمشاركة فمددت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مهلة التدمير حتى نهاية 2012، لكن روسيا لم تنته ولن تغلق هذا الباب، بل راحت في بيع درس الابتزاز للأسد.
- ولعلنا زيادة في التوثيق نذكر القارئ أن المبادرة فكرة إسرائيلية المنشأ طرحها رئيس الأركان الإسرائيلي قبل أن تعلنها موسكو بأسبوع. و«التسوية الكيميائية» هي مسمى مهذب لما هو أكثر وقاحة فما تريده إسرائيل هو «الأزمة الممتدة» وليس الحل الناجز حتى يهشم الصراع الطويل عظام كلا الطرفين المتنازعين لصالحها.
- نكاد نميل إلى تبني نظرية المؤامرة الكلاسيكية والقول إن الهجوم الكيماوي على الغوطة كان مدبراً لخلق ظرف يعيد لموسكو الدور الذي تلعبه حالياً، يرافقها توسع الأسد بقتل شعبه بالسلاح التقليدي ليحسن موقفه العملياتي فيما العالم مشغول بأزمة حافة الهاوية التي صنعها، كما يدفعنا لذلك تبني الأسد بشكل رسمي وسريع للخطة الروسية، ثم تلقي الأمم المتحدة طلباً لانضمامه لمعاهدة الحد من استخدام الأسلحة الكيماوية التي طالما رفضتها بحجة عدم توقيع إسرائيل على حظر السلاح النووي.
إن تفتيت الأزمة السورية إلى إشكاليات بسيطة بدعوى حل كل واحدة على حدة فمرة كيماوية ومرة قتل الأطفال ومرة مقاتلين أجانب ما هو إلا إزاحة للوعي من حيز الحلول الشاملة وإدخالنا حيز الحلول التقنية القاصرة وغير المجدية. وحسناً فعلت دول مجلس التعاون الخليجي حين أعلنت كموقف مبدئي أن المبادرة الروسية لن توقف نزيف الدم، وحسناً فعلت ذلك لأن الفيلم السيئ الإخراج والسيناريو سيتطلب من المنتج الخليجي وشركائه الإقليميين الآخرين وضع ميزانية إضافية لإنجازه. فمن وجهة نظر وزير الخارجية الروسي «إن بعض الدول كانت مستعدة لتمويل الحرب في سوريا، وهناك دول مستعدة لتمويل الحل السلمي». وما ذلك إلا عصا ترهيب لدول الخليج لتكون جزءاً من الحل كما كانت جزءاً من الأزمة منذ يومها الأول. بل إن كيري قال إن «موسكو وواشنطن ستتحملان جزءاً من النفقات. أما الأموال المتبقية، فسيتم جمعها عبر آليات الأمم المتحدة»، وحتماً ستجد تلك الآليات طريقها للصناديق السيادية الخليجية فالجزرة هو أن تنتهي المهمة بسرعة وفي تسعة أشهر تتزامن مع انتهاء ولاية الأسد نفسه. لقد قتل أوباما جميع أبطال ملهاته في سوريا نتيجة لفقدانه القدرة على التركيز، ولم يكفه ذلك فأجرى بعض عمليات المونتاج على الفيلم كحذف منظر رجل يرتعش بعد أن فقد السيطرة على جهازه العصبي جراء تعرضه لغاز الأعصاب من قوات الأسد. فهل لمن يمول الفيلم دور في إعادة تركيز المخرج في بنود التسوية الكيم يائية؟!
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج ظافر العجمي