قبل يومين كتبت صحيفة (نويه تسوريشر تسايتونج) السويسرية تعليقاً على الأحداث الجارية في مصر ووصفت عزل الرئيس السابق محمد مرسي بأنه تأكيد لنظرية «الديمقراطية يسارية» طالما لم تصل بالإسلاميين للسلطة.
بداية لا يمكن تأكيد الطرح النظري الذي قدمته الصحيفة السويسرية لأن الإسلام على توافق مع الديمقراطية وليس عدواً لها، وبالتالي يمكن تطوير العديد من الصيغ الديمقراطية في مجتمع إسلامي، كما هو الحال في العديد من الدول الإسلامية، سواءً كانت مجتمعاتها عربية أم غير عربية مثل تركيا ودول أوروبا المسلمة، وبعض الدول الآسيوية.
ولكن الإشكالية هنا أن ما حدث في مصر لا تعني أبداً ازدواجية معايير، وبالتالي النظرية التي تقول إن «الديمقراطية في الدول العربية تعني الديمقراطية باستثناء حالة واحدة وهي وصول الإسلاميين». فتولي الجماعات والأحزاب الإسلامية الحكم ديمقراطياً في المجتمعات العربية ليس مشكلة بحد ذاته، ولكن المشكلة عندما تكون هذه الجماعات والأحزاب قائمة على نفي الآخر وإقصاء بقية القوى السياسية بشكل متطرف، لأن مثل هذا السلوك لا علاقة له بالديمقراطية نهائياً. وهذا هو الخطأ الإستراتيجي الذي أدى إلى إنهاء حكم الإخوان.
رغم حداثة التجربة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وكونها ديمقراطيات ناشئة سواءً اعتبرناها ديمقراطيات أم لا، إلا أن تجارب الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في المنطقة أثبتت حقيقة هامة، وهي انتهاء عصر الأيديولوجيا في الشرق الأوسط.
أيديولوجيات متنوعة نشأت وتم استيرادها للمنطقة منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، ولكنها جميعاً فشلت عندما وصل أصحابها إلى الحكم، القوميين، الليبراليين، الاشتراكيين، وأخيراً الإسلاميين. لماذا فشلت؟
من معطيات السياسة في الشرق الأوسط أن المجتمعات السائدة مجتمعات متنوعة، ومن الصعوبة بمكان السيطرة عليها من قبل أيديولوجيا واحدة، وهذه الحقيقة أول من أدركها هم اليسار عندما أعلنوا قبل أكثر من عقد فكرة تعويم الأيديولوجيا بعد أن اكتشفوا عدم جدواها ولأسباب أخرى.
الأيديولوجيا في المنطقة عقبة من عقبات الديمقراطية وتمثل تحدياً لبناء أي نظام ديمقراطي، فلا يمكن بناء نظام ديمقراطي يحقق تطلعات مختلف مكونات المجتمعات العربية في ظل أيديولوجيا لا تختلف عن حكم أي نخبة حاكمة مستبدة.
طبعاً لا يمكن فهم عدم جدوى الأيديولوجيا في الشرق الأوسط بعيداً عن البيئة السياسية التي تحكم مجتمعات دول المنطقة، فحتى لو كانت النخبة الحاكمة تمثل ائتلافاً من عدة قوى سياسية، ولا تمثل أيديولوجيا واحدة، فإنها لن تتمكن من بناء النظام الديمقراطي المنشود، لأن البيئة السياسية الداعمة لبناء النظام الديمقراطي تشمل الوعي السياسي العام، وقوى سياسية ناضجة تملك امتداداً شعبياً، وقادرة على تجميع المطالب، وحماية المصالح من خلال مشروع سياسي واضح ومعلن يقوم على حماية الثوابت الوطنية، ويتضمن القدرة على تغليب المصلحة الوطنية العليا مقابل المصالح الحزبية والفئوية الضيقة.
بسقوط الإخوان في مصر، فإن الأيديولوجيا في الشرق الأوسط باتت تحتضر وفي نهاياتها، ومن غير المعروف كيف ستكون مرحلة ما بعد الأيديولوجيا في المنطقة؟!
{{ article.visit_count }}
بداية لا يمكن تأكيد الطرح النظري الذي قدمته الصحيفة السويسرية لأن الإسلام على توافق مع الديمقراطية وليس عدواً لها، وبالتالي يمكن تطوير العديد من الصيغ الديمقراطية في مجتمع إسلامي، كما هو الحال في العديد من الدول الإسلامية، سواءً كانت مجتمعاتها عربية أم غير عربية مثل تركيا ودول أوروبا المسلمة، وبعض الدول الآسيوية.
ولكن الإشكالية هنا أن ما حدث في مصر لا تعني أبداً ازدواجية معايير، وبالتالي النظرية التي تقول إن «الديمقراطية في الدول العربية تعني الديمقراطية باستثناء حالة واحدة وهي وصول الإسلاميين». فتولي الجماعات والأحزاب الإسلامية الحكم ديمقراطياً في المجتمعات العربية ليس مشكلة بحد ذاته، ولكن المشكلة عندما تكون هذه الجماعات والأحزاب قائمة على نفي الآخر وإقصاء بقية القوى السياسية بشكل متطرف، لأن مثل هذا السلوك لا علاقة له بالديمقراطية نهائياً. وهذا هو الخطأ الإستراتيجي الذي أدى إلى إنهاء حكم الإخوان.
رغم حداثة التجربة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وكونها ديمقراطيات ناشئة سواءً اعتبرناها ديمقراطيات أم لا، إلا أن تجارب الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في المنطقة أثبتت حقيقة هامة، وهي انتهاء عصر الأيديولوجيا في الشرق الأوسط.
أيديولوجيات متنوعة نشأت وتم استيرادها للمنطقة منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم، ولكنها جميعاً فشلت عندما وصل أصحابها إلى الحكم، القوميين، الليبراليين، الاشتراكيين، وأخيراً الإسلاميين. لماذا فشلت؟
من معطيات السياسة في الشرق الأوسط أن المجتمعات السائدة مجتمعات متنوعة، ومن الصعوبة بمكان السيطرة عليها من قبل أيديولوجيا واحدة، وهذه الحقيقة أول من أدركها هم اليسار عندما أعلنوا قبل أكثر من عقد فكرة تعويم الأيديولوجيا بعد أن اكتشفوا عدم جدواها ولأسباب أخرى.
الأيديولوجيا في المنطقة عقبة من عقبات الديمقراطية وتمثل تحدياً لبناء أي نظام ديمقراطي، فلا يمكن بناء نظام ديمقراطي يحقق تطلعات مختلف مكونات المجتمعات العربية في ظل أيديولوجيا لا تختلف عن حكم أي نخبة حاكمة مستبدة.
طبعاً لا يمكن فهم عدم جدوى الأيديولوجيا في الشرق الأوسط بعيداً عن البيئة السياسية التي تحكم مجتمعات دول المنطقة، فحتى لو كانت النخبة الحاكمة تمثل ائتلافاً من عدة قوى سياسية، ولا تمثل أيديولوجيا واحدة، فإنها لن تتمكن من بناء النظام الديمقراطي المنشود، لأن البيئة السياسية الداعمة لبناء النظام الديمقراطي تشمل الوعي السياسي العام، وقوى سياسية ناضجة تملك امتداداً شعبياً، وقادرة على تجميع المطالب، وحماية المصالح من خلال مشروع سياسي واضح ومعلن يقوم على حماية الثوابت الوطنية، ويتضمن القدرة على تغليب المصلحة الوطنية العليا مقابل المصالح الحزبية والفئوية الضيقة.
بسقوط الإخوان في مصر، فإن الأيديولوجيا في الشرق الأوسط باتت تحتضر وفي نهاياتها، ومن غير المعروف كيف ستكون مرحلة ما بعد الأيديولوجيا في المنطقة؟!