الجمهور إزاء هذا السؤال المهم في فريقين؛ الأول يرى أنه سيزيد من تعقيد الوضع وأنه لن يساهم في الحل أبداً، والثاني يرى أنه مفتاح الحل وأن تشديد العقوبات والاستمرار في هذا النهج سيؤدي، وإن على المدى البعيد، إلى استقرار الأوضاع وتجاوز المشكلة، ولتعود من ثم الأحوال إلى ما كانت عليه قبل قفزة فبراير 2011، والتي أدخلت البلاد والعباد في تجربة مريرة لانزال نعيش فصولها.
المؤيدون لتشديد العقوبات يرون أنه لم يعد هناك مجال للتهاون والتغاضي عن الأخطاء التي تراكمت، وأنه صار لزاماً وضع حد لكل هذا الذي يحدث منذ أكثر من سنتين، ويكاد أن يضيع كل ما بناه الآباء والأجداد، خصوصاً وأن الحكومة حصلت على تفويض من ممثلي الشعب الذين رفعوا مجموعة من التوصيات إلى جلالة الملك محورها الأساس تشديد العقوبات لوضع نقطة في نهاية السطر.
أما المخالفون لهذا الرأي فيرون أن تشديد العقوبات سيدفع الطرف الآخر إلى العناد والتعامل مع هذا التوجه باعتباره تحدياً، وأنه تم بالفعل التعبير عن رفض هذا التوجه عملياً عبر رفع وتيرة «العمليات» المتمثلة في اختطاف الشوارع وحجزها وإشعال النار في إطارات السيارات وتعطيل مصالح الناس والحياة، والقيام بأعمال إرهابية نالت إدانة واسعة من الداخل والخارج. هؤلاء يرون أن هذه العمليات ستزداد اعتباراً من اليوم لسببين أساسين؛ الأول هو انصرام شهر رمضان الذي بطبيعة الحال يقل فيه هذا النوع من «النشاط» (...)، والثاني الاقتراب من يوم 14 أغسطس الذي تم الإعلان عن اعتباره مفصلاً، وأنه سيشهد جديداً من شأنه أن يحدث تغييراً في المعادلة!
بين المؤيدين لتشديد العقوبات وغير المؤيدين لها؛ يقف فريق ثالث لم يعد يملك ما يقنع به الحكومة التي من الواضح أنها قررت وضع النقطة المطلوبة في نهاية السطر، ولا ما يقنع به «المعارضة» التي لايزال موقفها هشاً ولاتزال دون القدرة على اتخاذ موقف من ذلك البعض الذي اعتبر نفسه كل المعارضة وأساسها وصار يقود البسطاء ويتحكم فيهم ويحركهم وقتما يشاء وبالكيفية التي يشاء.
الفريق الثالث هذا لم يعد يجد من يسمعه؛ لا الحكومة التي قررت أن تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد الإرهاب والعنف، خصوصاً بعد تلقيها توجيهات الملك الذي وافق على التوصيات المرفوعة إلى جلالته من المجلس الوطني وأمر بتنفيذها، ولا المستظلين بظل «المعارضة» ورافعين رايتها والذين أعلنوا أنهم لن يخشوا شيئاً وأنهم سيواصلون دربهم معتقدين أن النهاية ستكون لصالحهم.
في كل الأحوال ليس في يد الفريق الثالث هذا سوى تقديم النصيحة، وهذه فات وقتها حيث المرحلة الجديدة التي نحن بصددها هي مرحلة الحسم؛ إما إنهاء حالة التمرد ومحاولات الخروج عن الطاعة والولاء للدولة، أو ضياع البلد واستمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار. لم يعد بإمكان الحكومة أن تتراجع ولم يعد أمامها سوى السير في طريق «نكون أو لا نكون»، فأي تراجع عن قراراتها يعني اهتزاز ثقة جمهور المواطنين فيها، وهو ما لا يمكن أن تقبل به.
الوضع الحالي فرصة لـ «المعارضة» ينبغي ألا تضيعها، فمن يعمل من أجل الوطن -ويعلم جيداً أنه لم يعد أمام الحكومة من خيار سوى المضي في الطريق الذي التزمت به أمام القيادة- عليه أن يثبت أنه إنما فعل ما فعل من أجل الوطن والارتقاء بحياة الناس ومعيشتهم، وإثبات هذا لا يكون إلا بمراجعة النفس وتحكيم العقل والتهدئة واتخاذ طريق المصالحة والتفاهم والحوار، فغير هذا الطريق يعد اعترافاً بأن ما قامت به طوال الفترة الماضية هو لصالح جهات أخرى وليس من أجل المواطن والوطن.