تنوعت ردود الفعل الشعبية حول استئناف جلسات الحوار الوطني في البحرين بعد فترة التوقف في شهر رمضان الكريم، ما بين لا مبالٍ بعقد الحوار أو مستاء لتقديمه على تطبيق توصيات المجلس الوطني الأخيرة بشأن الوضع الأمني، ونسبة قليلة من المراقبين متفائلة بالحوار باعتباره المخرج الحضاري والوحيد لأزمات البحرين، فهل سيمضي الحوار بسلاسة لتحقيق أهداف شعب البحرين؟ وإلى متى سيستمر؟
بنية الحوار تقوم على تأسيسه من الجمعيات السياسية وحضور ممثلين عن السلطة التنفيذية والتشريعية، وأغلب بنود الحوار تدور حول القضايا السياسية والتشريعية التي سببت الأزمات في البحرين أو التي يتوقع أن تكون سبباً في حلها. وعند مراقبة سير الحوار نجد أن بعض الجمعيات إما تتعثر في جلسات الحوار، أو تتعمد تعطيل تقدمه، وبشكل عام فإن الحوار يأخذ طابعاً تفصيلياً يصيب من يتابعه بالملل من أداء الجمعيات. وفي الغالب سيتركز اهتمام الجمعيات في توجيه نتائج الحوار نحو المكاسب الخاصة بها في ما يتعلق بتقسيم مرضٍ للدوائر الانتخابية، ووضع قواعد لتشكيل الحكومة ومجلس الشورى تحفظ للجمعيات نصيبها المقبول. لنطرح سؤالاً مهماً، وهو أين تقع مصلحة المواطن البحريني من تفاهمات الجمعيات السياسية حول بنود الحوار ونتائجه؟
وإذا عدنا إلى آلية الحوار الوطني الأول الذي عقد بعد أحداث فبراير 2011، واشتركت فيه الجمعيات السياسية وممثلون عن مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والنوادي والجمعيات المهنية والثقافية، فإن تلك الآلية، في تقديري، هي الأنجح في حلحلة الوضع في البحرين ولكن بترتيبات مختلفة تفضي إلى أطروحات «مجتمعية» جزئية تصب مرحلياً في النتائج السياسية الكلية التي تتفاهم عليها الجمعيات السياسية. فعلى سبيل المثال يمكن أن تعقد الجمعيات المهنية وجمعيات النفع العام والنقابات جلسات حوار مختلفة التشكيلات ومتعددة المستويات تناقش فيها قضايا العمال والموظفين في البحرين وتعد دراسات حول الوضع الاقتصادي في البحرين وجدول رواتب الدولة، مشكلات القطاع الخاص...إلخ، ثم تنتهي إلى صياغات «مطلبية» في مختلف القضايا التي تمس المواطن البحريني وتحمل مقترحات تنفيذية تصلح لأن تتبناها الجمعيات السياسية في برامجها وأطروحاتها في الحوار بشكل يسهل على مؤسسات المجتمع والمواطنين متابعة تطور الحوار والمشاركة في تقييمه وضبط حركته. والإجراء نفسه تقوم به الجمعيات الثقافية والحقوقية والنوادي وأعضاء مختلف اللجان والمنظمات بالتحاور في الشأن الثقافي والحقوقي في البحرين وصياغة رؤية توصيفية ونقدية تتضمن تقاطعات تلك القضايا بأزمات البحرين وأفق حلها. وليس ثمة سبب واضح لاقتصار الحوار السياسي على الجمعيات السياسية فقط فهي ليست الجهة الوحيدة المؤثرة في الشأن السياسي!!
فلماذا لا يتم إغناء جلسات الحوار بدعوة شخصيات عامة، تحظى بقبول المواطنين وثقتهم، وتمتلك وعياً بالشأن السياسي والاجتماعي البحريني وقادرة على صياغة موقف يثري قضايا الحوار ويخرجه من دائرة الجدل «المكسبي» الذي يسيطر على اللا وعي الحواري عند الجمعيات السياسية؟
من أهم أسباب استمرار الأزمة البحرينية تعطل الحوار المجتمعي، فقد صرنا لا نتحاور في مشكلاتنا تجنباً لإثارة الخلافات وتجاوزاً لحالة الانقسام التي نعاني منها وضجراً من كثرة الأزمات والمآزق التي تحتاج إلى جدل طويل لتفكيكها. الحوار المجتمعي الأفقي والرأسي سيكشف لنا الكثير من الحقائق التي نجهلها عن أنفسنا ومجتمعنا، وسيسلط الضوء على الأسباب الخفية لمشكلاتنا التي ربما لا ندركها. ولا أجد في الجمعيات السياسية البحرينية بطبيعة تكوينها وافتقادها للرؤية السياسية والبرنامج السياسي الوطني إلا مصدراً من مصادر إنتاج الأزمات وسبباً في انقسامنا وتشتيت قضايانا وحواراتنا، بل إن جزءاً من بنود الحوار يجب أن يتركز حول تقييم أداء الجمعيات السياسية وكيفية إصلاحها وإعداد قانون موضوعي لتشكيلها، ولذلك فإن تعدد طاولات الحوار واتساعها ونشر ثقافة الحوار المجتمعي وضرورة انطلاقه من قاع المجتمع إلى رأس التشكيلات السياسية، سوف يذيب الكثير من الصقيع الذي نتج عن جمود الحوار المطلوب في البحرين.