لقد تعاملت مجتمعات الأعمال والمشروعات بحذر مع فكرة التنمية المستدامة وكيفية التعامل معها. وبدأت الأمم المتحدة من خلال مؤتمرها عام 1992 في ريودي جانيرو، وهو ما عرف بقمة الأرض، بالاهتمام بهذا المصطلح، ووافقت 170 دولة على وجود حاجة لقيام المشروعات بدمج التنمية المستدامة في عملياتها. واستجابةً لذلك شرعت الشركات بحلول عام 1996 بالإفصاح عن تقرير سنوي عن التنمية المستدامة لاقتناعها بأن ذلك سوف يزيد من قيمة أسهمها وخلق ما يعرف بقيمة المساهمين. وتصادف الشركات أحياناً بعض الأسئلة عند تطوير وتطبيق التنمية المستدامة مثل: كيف يعرف المحللون التنمية المستدامة؟ وما الفرق بينها وبين نظم الإدارة البيئية؟ كيف تقيس هذه الشركات مدى النجاح في تحقيق التنمية المستدامة في شركة ما؟ وما هي المتغيرات الخارجية المؤثرة في هذه العملية وكيف يمكن إدخالها في معادلة التنمية المستدامة؟
يمكن أن يعمل المحللون والمسؤولون عن البيئة معاً على تشجيع مبادرات التنمية المستدامة داخل الشركات، وللقيام بذلك لا بد للمحللين الإداريين من استخدام أحد الأساليب الكمية ومن أبرزها الأساليب التنبؤية عن التنمية المستدامة ضمن سياق الأعمال، وتحديد المساهمين الملائمين وبالنهاية تحديد معدل العائد على الاستثمار في التنمية المستدامة. وتعتبر التنمية المستدامة، منظمة داخلياً، من حيث التعريف، ويحتاج المحللون عند اتخاذ القرارات إلى التعامل مع نشاطات الشركات من خلال النظر إليها على أنها نشاطات منتظمة أو منضبطة داخلياً. وقد أشارت مراجع الأعمال في السبعينات والثمانينات إلى هذا الأسلوب بأسلوب نظم التفكير بالنظرة الأخيرة.
ويشير الواقع الفعلي إلى أن المحاسبة على التنمية المستدامة سوف تجذب الأفراد الذين لديهم خبرة في التحليلات المالية مصحوبة بالتدريب الإضافي في مجال أو أكثر من المجالات الآتية: وهي علم البيئة، والكيمياء، والهندسة، والفيزياء، وعلم المناخ، وقانون البيئة، والتأمين البيئي، والعلاقات العامة والصحافة، وتكنولوجيا المعلومات والنظم الديناميكية بالإضافة لنماذج المحاكاة باستخدام الحاسبات الإلكترونية. إن المشروعات الكبيرة على مفترق طرق سلوكي اليوم بسبب التباعد الحاصل بين المجتمع وهذه الشركات، لذلك نرى أن النجاح لم يقس فقط مـن خــلال الربحيــة بــل يجــب أن يقاس النجاح بأخذ عوامل أخرى داخل الشركات، مثل المتغيرات أو المؤشرات غير المالية والإفصاح عنها، بحيث وجود جهات عديدة مثل المساهمين والمستهلكين باتجاه اتباع ممارسات سليمة في التحكم المؤسسي في هذه الشركات، وتأكيد الشفافية في المعلومات لأنها تمثل اتجاهاً قوياً سوف يستمر في لعب الدور المؤثر في حياة الشركات في السنوات المقبلة.
إن معظم الشركات التــي تتكفـــل باتبـــاع التنميـــة المستدامة في عملياتها تستخدم أحد أهم أدوات الأساليــب الكمية وذلك من خلال تركيزها علـــى كيفية تحقيق هدف تعظيم قيمة الشركات في مختلف برامجها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. وتبدأ العديد من الشركات عند تحديد إطار التنمية المستدامة بتأسيس ستة إلى عشرة مبادئ تتضمن العناصر الثلاثة المتداخلة للتنمية المستدامة وهي البيئة والاقتصاد والمجتمع وتمثل هذه المبادئ القاعدة التي تبنى عليها أية سياسة في الشركات، ويظهر الواقع العملي أن أية سياسة لا تتضمن هذه العناصر سوف تكون ضعيفة وغير ناجحة. وتستخدم بعض الشركات تقدير المنافع والتكاليف المرافقة لأي مشروع مطروح للتنفيذ، وتجدر الملاحظة، أنـــه يصعب تحديد جميع المتغيرات الخارجية ضمن سياق القياس النقدي، فعلى سبيل المثال، إذا أدت أنشطة إحدى الشركات، إلى خلق تلوث في الهواء، فإنه يصعب قياس مدى الضرر الذي سيلحق بالأفراد في تلك المنطقة الملوثة، بالقياس النقدي، على الرغم من حقيقة وجود إمكانية لتحديد تكاليف علاج الوضع أو التلوث. لذلك يجب على الشركة أن توازن بين التكاليف والمنافع سواء كانت قابلة للقياس النقدي أو غير قابلة للقياس النقدي، الأمر الذي يؤكد على ضرورة استخدام أساليب التنبؤ في التنمية المستدامة.

* قسم الإدارة والتسويق - كلية إدارة الأعمال - جامعة البحرين