على غير العادة جاءت الصور التي نشرت عن المسيرات المتفرقة في بعض المناطق والتي خرجت الجمعة الماضي متحدية قرار الداخلية منع المسيرة التي كانت قد دعت إليها قوى المعارضة في ذلك اليوم تحت عنوان «إرادة لا تنكسر»، على غير العادة خلت الصور التي نشرتها جمعية الوفاق من «القادة والرموز» الذين يتم إبرازهم عادة في المسيرات التي لا تتخللها مواجهات مع رجال الأمن، فالصور هذه المرة أظهرت المشاركين من العامة. هذا يعني أن «القادة والرموز» لم يشاركوا في تلك المسيرات.
سؤالان بريئان.. لماذا لم يشارك أولئك «القادة والرموز» في المسيرات التي خرجت يوم الجمعة متحدية قرار الداخلية منع المسيرة المقررة في ذلك اليوم من مدخل الديه إلى مدخل البلاد القديم؟ وإذا كانوا بالفعل قد شاركوا فلماذا تجنبوا نشر صورهم وهم يتقدمون تلك المسيرات كما جرت العادة؟
لعل الأفضل أن يسعى البسطاء الذين خرجوا في تلك المسيرات إلى الإجابة عن هذين السؤالين بأنفسهم لأن قوى المعارضة لن توفرها، وإن وفرتها فستكون في الغالب شبيهة بإجابات العلاقات العامة التي تنتقدها!
مؤلم إصرار الجمعيات السياسية - وخصوصاً تلك التي أعلنت أخيراً عن دعمها ومساندتها لـ «ائتلاف فبراير»، وقالت عنه إنه وجد ليبقى - على دفع البسطاء لتحمل الضربات نيابة عن «القادة والرموز» الذين اختاروا التحدي لكنهم اختاروا أيضاً البقاء في بيوتهم ومتابعة التطورات عبر الإنترنت والهاتف.
عدم مشاركة «القادة والرموز» في مسيرات الجمعة المتحدية لقرار الداخلية تعني أنهم الأسياد والآخرون «عيال العبدة» الذين عليهم أن يتحملوا بالنيابة عنهم. مشاركة «القادة والرموز» كانت ستوصل رسالة قوية إلى الحكومة يمكن أن تستفيد منها قوى المعارضة، على عكس تغيبهم الذي يفتح عليهم باباً هم في غنى عنه، حيث التغيب عن مسيرة دعوا إليها وشحنوا الناس للمشاركة فيها يعني أنهم يؤثرون السلامة ويقدمون البسطاء لينالوا ما ينالوا من نتائج تلك المسيرات المتحدية لقرار دولة سبق أن أعلنت أنها لن تقبل بالتجاوزات والدليل أن الداخلية اتخذت ما رأته مناسبا من إجراءات لمنع تلك المسيرة.
قيام قوى المعارضة بإعادة نشر إعلان مسيرتها تلك وإصرارها على الخروج رغم اعتبار من يشارك فيها مخالفاً للقانون لم يكن تصرفاً حكيماً. كان الأولى ألا تتعامل مع الموضوع برد فعل عاطفي خصوصاً أنها قادرة على تسيير مسيرات بديلة في الأيام التالية وأنها تعرف أن السلطة لن تقبل بمثل هذا التصرف وستمنع المسيرة بالقوة.
كان بإمكان قوى المعارضة أن تستفيد من قرار المنع بما يخدمها إعلامياً وللمساهمة في تهدئة الأوضاع بدل الإصرار على إشعالها. كان الأولى أن تكتفي بإصدار بيان ينتقد قرار المنع تقول فيه ما تشاء فتعتبره «مصادرة لحق إنساني طبيعي وخنق للرأي المطالب بالحرية والديمقراطية» ولا بأس لو وصفته بالتعسفي والخارج عن القانون وأن تقول إنه «يستهدف الحريات والحقوق» وما إلى هذا من كلام، لكن أن تعلن التحدي وتدفع بالبسطاء إلى مواجهة غير متكافئة مع رجال الأمن فالأكيد أنه يؤخذ عليها.. خصوصا وأن العالم لم يشاهد «القادة والرموز» والداعين إلى إعلان التحدي في صور تلك المسيرات!
وأيضاً لم توفق قوى المعارضة في قولها إن قرار منع المسيرة «يوجب على المجتمع الدولي أخذ خطوة عملية لوقف انتهاك النظام البحريني لحقوق الإنسان ومصادرة حق التجمع السلمي» ذلك أنه قول غير منطقي وغير مقبول، فما دخل المجتمع الدولي في أمر صغير كهذا؟ ولماذا اعتبروه «رسالة لكل دول البرلمان الأوروبي»؟!
نعم التظاهرالسلمي حق يكفله الدستور، ولا تنكره السلطة، لكنها أيضا لا تقبل أن تنكر عليها قوى المعارضة حقها في ممارسة ما يتيحه لها القانون.