هنالك الكثير من العوامل المساعدة والمؤججة لروح الطائفية وتعزيز الوجود المذهبي بطريقة تلغي بقية المكونات الدينية وغير الدينية في المجتمعات الإسلامية الحاضرة، لعل من أبرز هذه العوامل المدمرة لوحدة الأمة هي وجود ما نستطيع أن نطلق عليها بالفضائيات المذهبية.
الفضائيات المذهبية اليوم هي عبارة عن تخويف أتباع المذهب من المذاهب الأخرى، وتعزيز التمسك بالمذهب بطريقة «عميانية» غير فاحصة لمثالبه وعيوبه، كما إن من أهم مهامها هو الثرثرة والقرقرة والبربرة في عقول أتباع المذهب، وتحريضهم ضد المختلف وإن كان موَحداً.
الفضائيات المذهبية ليست هي الفضائيات الدينية، فالأولى تدعو إلى الانكماش على المذهب الواحد، والأخرى تدعوك للبحث عن الحقيقة وأخواتها. الأولى تحرض على الكراهية ضد المذاهب الأخرى، بينما الثانية تشجع المسلمين على الرحمة والتآلف والمودة. الأولى تبني حواجز صدٍّ منيعة ضد حرية الاختلاف وحتى إبداء الرأي، بينما الأخرى تحفز المسلمين على الانفتاح العلمي والحضاري والثقافي على الآراء المختلفة لأجل إثراء القيم الإنسانية والدينية بطريقة طاهرة.
الفضائيات من النوع الأول، والتي أطلقنا عليها مسمى»الفضائيات المذهبية»، منتشرة بالطول والعرض في فضاءات الإعلام العربي والإسلامي، وهي اليوم على «أفا من يشيل»، بينما القنوات الدينية التي تحترم نفسها وتحترم عقول متابعيها تكاد أن تكون نادرة أو غير موجودة، وبما أن غالبية المجتمعات العربية والإسلامية هي مجتمعات محافظة، نجدها تتسمر أمام تلك الفضائيات المسكونة بالمذهب الواحد والفكر الواحد فتنهل منها ما يعزز انعزالها التام عن بقية المذاهب الأخرى، ومن هنا تنشأ القطيعة بين أتباع المذاهب الإسلامية بطريقة وحشية.
ليس هذا وحسب؛ إذ وجدنا غالبية الفضائيات المذهبية ركبت الموجة السياسية الحاصلة في عالمنا العربي، فقامت بتسييس المذهب بطريقة فجة ومنفرة، فأدى هذا الفعل غير الحضاري إلى عزل أصحاب كل مذهب في بوتقته المذهبية الضيقة، حتى زادت الحواجز والموانع من الاختلاط بأصحاب المذاهب الأخرى.
بالأمس كانت بعض المصطلحات غير مرحب بها في أوساط المستهلكين من أبناء المذاهب الإسلامية، أما اليوم فإن هذه المصطلحات والمفردات أصبحت من أهم المباني التي تؤسس وعي الناس حتى أصبحت تقولبهم في إطار مذهبي ضيق، وذلك بعد أن قامت تلك الفضائيات المذهبية بتدريبهم على التشرّب بحب مذهبهم فقط، فضلاً من أن يفتشوا عن الفضائية المذهبية التي ترضي غرورهم المذهبي.
لم تعد الفضائيات المذهبية مكاناً آمناً لصغارنا وحتى كبارنا ممن لا يملكون القدر الكافي من الوعي الديني الرصين، بل أصبحت الفضائيات المذهبية أخطر من كل وسائل الإعلام الأخرى الماجنة، إذ إن الفضائيات المتخصصة بـ»الهزِّ والوزِّ» تنطق باسم إبليس، بل وتعترف بذلك، لكن الطامة الكبرى هو أن الفضائيات المذهبية تنطق باسم الله.
أبعدوا صغاركم عن هذه الفضائيات المذهبية ما استطعتم، ولو استطعتم «تشفيرها» من الآن فافعلوا، فهناك الكثير من تجار المذاهب يتاجرون باسم الله وهم أولياء للشيطان.