مساء الجمعة الماضي، خرجت حشود جماهيرية ضخمة في شوارع طهران والمدن الإيرانية الكبيرة الأخرى لتحتفل بفوز حسن روحاني، في انتخابات رئاسة الجمهورية الإسلامية، وكانوا يهتفون هتافات كثيرة، ولكن بدون ذكر اسم روحاني!بالطبع كانوا متحمسين للرئيس الجديد وجميع التغييرات التي وعد بتحقيقها، لكن الهتافات التي كان ينادي بها الناس في الشوارع لم تكن لها علاقة حتى بالاقتصاد والملف النووي.كانوا يهتفون بأسماء الشباب الذين قتلوا منذ أربع سنوات، خاصة وأن الذكرى السنوية لبعض أولئك الشباب كانت في 14 يونيو. الأسماء الأكثر شهرة هي اسم الشابة ندى آغا سلطان والشاب سوهراب عربي، وكان الناس يهتفون: «أختي الشهيدة العزيزة ندى، لقد تم حساب اسمك الآن». من يستطيع أن ينسى مشاهد مقتل ندى التي التقطها أحدهم بكاميرا الجوال؟ الفتاة كانت قد تلقت رصاصة في القلب وكانت تهمس «أنا أحترق!».تصرفات الناس كانت انعكاساً لعقدة، لديهم غصة في حناجرهم منذ أربع سنوات. الهجوم الذي قامت به قوات الأمن وقوى الباسيج الخاصة، التابعة لآية الله خامنئي، أدى إلى قمع المعارضة بقسوة، وذلك الموقف ربما أدى إلى قيام غالبية الإيرانيين بانتخاب روحاني. كل ذلك الغضب المكبوت عبر عنه الناس فجأة عند فوز روحاني. كان الناس بحاجة إلى التغيير، إلى شخص أقل قرباً إلى النظام وأكثر انتقاداً له يأتي إلى السلطة، ولحسن الحظ أن روحاني حاز على ثقة الشعب في هذا المجال.بالطبع فإن علينا ألا نقلل من مهارات روحاني الدبلوماسية والخبرة السياسية، باعتباره رئيس فريق المفاوضات النووية السابق، فإن روحاني معروف على الساحة الدولية بشكل جيد، واعتماداً على نهجه السابق ومناصبه التي تقلدها سابقاً، تنظر إليه الدول الغربية ودول الجوار العربية بصورة أكثر إيجابية إلى الرئيس الجديد.روحاني يتحدث عن تحسين العلاقات مع السعودية ودول الجوار الأخرى. في إحدى مقابلاته التلفزيونية قبل الانتخابات، قال روحاني: إنه قبل أن نحل مشاكل إيران مع المجتمع الدولي، علينا أولاً أن نقيم علاقات جيدة مع جيراننا.لا شك أن المرشد الأعلى آية الله خامنئي، هو الذي يضع السياسة الخارجية لإيران، ولا يوجد حالياً أي خلاف ظاهر بينه وبين روحاني في هذا الإطار. من بين أهم القضايا في السياسة الخارجية هي القضية السورية وموقف إيران الرسمي منها، وكذلك الملف النووي الإيراني، الذي يجب إيجاد تسوية له حتى يمكن رفع العقوبات الدولية، وبالتالي تحسين الاقتصاد الإيراني وفتح المجتمع إلى حد مقبول.اللافت أن النظام الإيراني لم يسمح بإقامة أي نوع من الكرنفالات لأي من المتنافسين أثناء الانتخابات خشية من استغلالها للقيام باحتجاجات ضد النظام. الخبرة التي اكتسبها النظام والشعب كانت كافية لإبقاء الجميع بعيداً عن المشاكل. الشرطة والمليشيات التابعة للنظام بقيت بعيدة ولم تتدخل في أي تجمع شعبي. كان ذلك بالتأكيد بتوجيهات مباشرة من المرشد الأعلى للثورة، الذي كان يريد من قوى الأمن أن تترصف بطريقة مختلفة عما قامت به منذ أربع سنوات. كما إن الناس أيضاً لم يتعدوا حدودهم لأنهم يتذكرون جيداً كيف تمت مواجهتهم وقمعهم بعنف من أجل تفريقهم.الشيء الثاني اللافت أنه حتى قبل يوم من الانتخابات، كان كثير من الإيرانيين لا يعرفون لمن سوف يعطون صوتهم. لكن في صباح الجمعة، لاحظ الإيرانيون أن عليهم أن يشاركوا بقوة في الانتخابات وإلا فإن الفائز سيكون إما قاليباف أو جليلي. هذا ما جعل حشوداً كبيرة من الناس تقرر التصويت وتغير دفة الانتخابات من المحافظين إلى روحاني. انسحاب عارف ساعد روحاني كثيراً، وكذلك فإن تدخل الرئيس السابق محمد خاتمي، أقنع مزيداً من الناخبين التصويت لروحاني. لكن علينا أن نعرف أنه لو كان آية الله خامنئي، لم يكن فعلياً يريد أي واحد من المرشحين الستة، بما في ذلك روحاني، أن يكون الرئيس القادم لإيران لكان بالتأكيد تدخل ومنع ترشيحه أساساً.اللقاءات الاجتماعية في المناسبات السعيدة للتعبير عن الفرح في مثل هذه الحالات هي من صميم الثقافة الإيرانية. منذ أربع سنوات، بعد أن كان الناس متحمسين للمرشح مير حسين موسوي، وكانت هناك آمال كبيرة بفوزه، تحطمت هذه الأحلام وبدلاً من الفرحة حصل الناس على قنابل الغاز المسيل للدموع بعد المشاكل التي أحاطت بالانتخابات وشككت بصحة النتائج. كان الناس يحتاجون إلى الإحساس بالسعادة على مستوى البلد، وأن ينسوا الماضي ويواجهوا المستقبل. فوز روحاني أعطاهم الفرصة ليقولوا كلمتهم ويعبروا عما بداخلهم. أعطاهم فرصة ليبكوا على أصدقائهم الذين ماتوا منذ أربع سنوات وتم دفنهم سراً بدون أية مراسم. كانوا بحاجة ليهتفوا بأسماء هؤلاء بصوت عال ليتخلصوا من العقدة والغصة التي التصقت بحناجر الكثيرين منذ أربع سنوات.خامنئي كان يعرف ما يريده الناس، ولذلك قرر أن يمد يده إلى الشعب ويتصالح معهم. طلب من الناس أن يصوتوا من أجل البلد حتى لو كانوا لا يؤيدون النظام. وحدث ذلك بالفعل. ما بقي الآن هو الأمل بأن يتمكن روحاني من تحسين وضعهم وحياتهم. لنرى إذا كان بإمكان خامنئي أن يعمل مع هذا الرئيس الجديد.