عندما نتحدث عن الشباب فإننا بكل تأكيد نتحدث عن عنصر من أهم عناصر المجتمع من حيث العطاء والإبداع والاندفاع نحو البناء، ومن هنا يأتي الحديث عن أهمية خلق كوادر شبابية في كل مفاصل الحياة، ودفع دماء جديدة في كل زاوية من زوايا المؤسسات الرسمية والأهلية.
لا يمكن للكبار اليوم، مهما كان إخلاصهم المستمر، وعطاؤهم في سابق الأيام أن يكونوا أكثر عطاء وفاعلية من شباب متحمس ومتعطش للبذل وتقديم الجديد، ومن هذه النظرة الواقعية يجب أن نبني جيلاً من القيادات الشابة الواعية في مجتمعنا البحريني، ندربهم على أن يستلموا مهامنا من الآن، وهذا لن يتأتى إلا عبر برامج ناهضة وكبيرة من قبلِ الدولة ومن أجهزتها ومن كل منظمات المجتمع المدني، وأن يفسح طواعية من استلم مناصب قيادية كبيرة في المؤسسات العامة والخاصة بطريقة حضارية وديمقراطية المجال للشباب، وإعطاء الفرصة الجيدة لشبابنا البحريني لإثبات ذاته، وذلك من خلال تأهيلهم بالطبع لتلك المناصب القيادية عبر برامج ومشاريع طويلة الأمد.
بالطبع لا يمكننا الاستغناء عن الخبرات الكبيرة في مجال العمل وقيادة المجتمع ومؤسساته، لكن لا يمكن أن نتمسك بهذه الحُجة فقط من أجل إبعاد الشباب عن دورهم الريادي والبنَّاء في مسيرة النهضة الوطنية، ولهذا ربما يحتاج المجتمع لبعض الخبرات، لكن بشرط ألا يكتسي هذا المفهوم جونا العام أو أن يتجاوز عمر من أعطى جهده في السابق لواقعية كل شاب في عمر العطاء والتجديد عبر الانفتاح على وسائل العصر وأدواته.
لا يمكن لأصحاب المناصب القيادية في المجتمع أن يظلوا إلى ما بعد التقاعد، فيأخذوا دورهم ودور هذا الجيل، بل من الضروري أن نفسح المجال للعناصر الشابة كي يثبتوا أنهم أكثر قوة وقدرة منَّا جميعاً، لأنهم يتعاملون اليوم مع العصر بأدواته التي ربما لا نفقه منها شيئاً.
ما يمكن أن يطور مهارات الشباب هو إدخالهم في برامج قيادية كبيرة ومنظمة، وتدريبهم على إدارة شؤون الحياة بكل ثقة واقتدار، دون أن نتدخل في كل خصائص عملهم، حتى لا تنطفئ جذوة الأمل والحماسة لديهم، وأن نعطيهم كامل الفرصة لنعزز ثقتهم بأنفسهم، وأن نمارس دور المراقب فقط، وفي مراحل ابتدائية من عمر بناء كوادرنا الشابة، وأن نبتعد عن تمثيل دور القائد الظاهرة.
إن خلق الثقة الكبيرة في نفوس أبنائنا تبدأ من داخل الأسرة، ومن ثم تنتقل إلى داخل المؤسسات التعليمية، وبعدها تتدرج إلى مواقع العمل ومن بعدها إلى كل موقع حياتي كبير، ومن غير ذلك لا يمكن لنا أن نصنع قيادات شابة تثق بنفسها فتعطي لوطنها.
إن من أروع النماذج القيادية التي شاهدتها وعايشتها هي قيادات تاء الشباب، أولئك الذين فرضوا شخصياتهم القيادية عبر حزمة من الجهود والعطاءات والاستحقاقات، دون كلل أو ضعف أو ملل، فكانوا كما رأيناهم يعملون كخلية نحل في صورة بشر، ومن هنا استطاعوا أن يقدموا برامج متقدمة عجز من كان قبلهم من الكبار في أن يرسموا معشارها، وهذا كله لم يكن لو كانت وزيرة الثقافة لم تفسح لهم كثيراً من المجال، بل على العكس من ذلك، فقد أعطتهم كل المجال وسخرت كل إمكاناتها في أن تجعل كل فرد منهم قائداً، فنجحتْ ونجحوا، فهل سنرى هذه الفلسفة المتطورة في أماكن غير الثقافة؟ نأمل ذلك في القريب العاجل، قبل أن يشيخ شبابنا.