ثمة جواب بسيط ومباشر عن هذا السؤال هو باختصار؛ لأن الإجرام هو جوهر وروح النظام الأسدي، الذي حكم سوريا بمعادلة قالت بكل صراحة؛ أحكمكم أو أقتلكم. واليوم، وبما أن الأسدية لم تعد قادرة على حكمهم فإنها تقتلهم.
هذا الجواب لا يمكن أن يشكك في صحته إنسان يتابع ما جرى في سوريا منذ خمسين عاماً إلى اليوم، رأى خلالها كيف رفض قادة نظامها إجراء أي مراجعة لسياساتهم الأمنية / العسكرية، رغم اتضاح خطئها وقصورها عن معالجة الواقع منذ بدء انتفاضة الشعب السوري منتصف شهر مارس من عام 2011. تمسك قادة السلطة بإجرام الأسدية لأنه يعبر عن طبيعتهم، والدليل ما قدمه هؤلاء من دعم مطلق لبشار بدل الانقلاب عليه، وتأييد نهجه الانتحاري عوض العمل على تغييره بما لديهم من خبرة في الحكم، وما يلاحظونه من اختلاف بين الثورة وأي وضع سبق للنظام أن واجهه قبلها. سار هؤلاء وراء رئيسهم الأحمق دون اعتراض أو تردد، وها هم يواصلون سيرهم وراءه نحو الهاوية، رغم أنهم تولوا السلطة قبل ولادته بزمن طويل، وتعاملوا خلال خمسين عاماً مع ملابسات الواقع السوري ومشكلاته.
إلى ما سبق؛ هناك أيضاً جواب غير مباشر يتعلق بالوضع الراهن الذي بلغه الصراع ضد الأسدية، التي بادرت قبل ثلاثة أشهر إلى شن هجومها الاستراتيجي الخامس ضد الشعب والجيش الحر، وسط تطبيل إعلامها وتزميره، وإطلاق حملة من الأكاذيب حولته إلى انتصار مفصلي سيقلب الأمور رأساً على عقب، بدءاً من سقوط القصير، مروراً باستكمال الحشد العسكري الكبير حول حمص، وصولاً إلى إسقاط المدينة البطلة ومن ثم تطويق جبل الزاوية واستعادة دير الزور وحلب بمعونة حزب الله.
هذه الحسبة لم تتحقق، في حين انقلب السحر على الساحر بعد هزائم النظام في خان العسل ومطار منغ العسكري والساحل، وبروز ظاهرة أرعبت النظام هي انهيار غير مسبوق في مستوى جيشه القيادي، الذي بقي متماسكاً طيلة عامي الصراع وأبقى الجيش موحداً. في خان العسل ومنغ والساحل، فر الضباط قبل الجنود، وبدا أن مرحلة جديدة تنشأ، تؤذن باحتمال وقوع انهيار سريع ومباغت في النظام نفسه.
أمام هذا الاحتمال، فكر من يتولون إدارة الحرب ضد الشعب بضربة تفضي بالأحرى إلى انهيار المجتمع الثائر في منطقة دمشق، على أن تكون قوية إلى درجة تؤدي لانهيار الجيش الحر نفسه، وبالتالي إلى إطالة عمر النظام وإعطائه ما يكفي من وقت لترميم معنويات ضباطه المحطمة.
يفسر هذا همجية الضربة، التي تقول معلومات أتت من الداخل أن عدد ضحاياها قد يصل إلى عشرة آلاف ضحية، وتؤكد أنها قضت بالفعل على جزء مهم من مجتمع الغوطتين، جعل النظام إبادته ضرورياً لنجاح هجوم عام ضد الجيش الحر، يستعيد الغوطة الشرقية بصورة خاصة، التي ظلت عصية على الإخضاع رغم تجويعها المنهجي طيلة قرابة تسعة أشهر، ويقضي على من حرروها ويمثل حضورهم فيها تهديداً للنظام، تزيده خطورة ورهبة ظاهرة انهيار معنويات وأداء ضباطه.
لم تفض الجريمة إلى انهيار مجتمع الغوطتين، رغم ما ألحقته من خسائر جسيمة بالسكان وببعض وحدات الجيش الحر المرابطة في دوما ومنطقتها بصورة خاصة، وبطواقم الخدمات الطبية والإغاثية، التي اتهمها الروس بشن الضربة الكيماوية (ربما فعلت ذلك للقضاء على نفسها ولإبادة حاضنتها الشعبية!).
لقد أظهر الشعب تماسكاً مذهلاً وقدرة خارقة على تحمل الألم والخسائر، بينما ذهل العالم بأسره من طابع الضربة الانتحاري، الذي ستكون له نتائج وخيمة على النظام، أقله لأنها ستجبر المعارضة على تصحيح أخطاء تراكمت لم يفد أحد منها غير السلطة، يعني تصحيحاً إجبار الخارج على مراجعة حساباته ومواجهة جرائم الأسدية، التي أثارت الرعب في المنطقة برمتها، وأكدت أن مخاطرها تتجاوزها إلى العالم وأنها تهدد أمنه وسلامه.
لن تفضي جريمة الغوطتين إلى وقف انهيار حلقة النظام القيادية، ويرجح أن تلعب دوراً حقيقياً في تسريعه. هذا ما أظهره تهافت هجوم الجيش الأسدي على المنطقة، بعد قصفها بالسلاح المحرم دولياً.
تقرب هذه الجريمة المروعة سوريا من لحظة حسم صار مؤكداً أنها ستنتهي بسقوط الأسدية وانتصار الشعب، وأن هذه النتيجة ستتحقق من الآن فصاعداً بيد السوريين، وأنها تصير أكثر فأكثر في متناول أيديهم!
عن «الشرق الأوسط»
هذا الجواب لا يمكن أن يشكك في صحته إنسان يتابع ما جرى في سوريا منذ خمسين عاماً إلى اليوم، رأى خلالها كيف رفض قادة نظامها إجراء أي مراجعة لسياساتهم الأمنية / العسكرية، رغم اتضاح خطئها وقصورها عن معالجة الواقع منذ بدء انتفاضة الشعب السوري منتصف شهر مارس من عام 2011. تمسك قادة السلطة بإجرام الأسدية لأنه يعبر عن طبيعتهم، والدليل ما قدمه هؤلاء من دعم مطلق لبشار بدل الانقلاب عليه، وتأييد نهجه الانتحاري عوض العمل على تغييره بما لديهم من خبرة في الحكم، وما يلاحظونه من اختلاف بين الثورة وأي وضع سبق للنظام أن واجهه قبلها. سار هؤلاء وراء رئيسهم الأحمق دون اعتراض أو تردد، وها هم يواصلون سيرهم وراءه نحو الهاوية، رغم أنهم تولوا السلطة قبل ولادته بزمن طويل، وتعاملوا خلال خمسين عاماً مع ملابسات الواقع السوري ومشكلاته.
إلى ما سبق؛ هناك أيضاً جواب غير مباشر يتعلق بالوضع الراهن الذي بلغه الصراع ضد الأسدية، التي بادرت قبل ثلاثة أشهر إلى شن هجومها الاستراتيجي الخامس ضد الشعب والجيش الحر، وسط تطبيل إعلامها وتزميره، وإطلاق حملة من الأكاذيب حولته إلى انتصار مفصلي سيقلب الأمور رأساً على عقب، بدءاً من سقوط القصير، مروراً باستكمال الحشد العسكري الكبير حول حمص، وصولاً إلى إسقاط المدينة البطلة ومن ثم تطويق جبل الزاوية واستعادة دير الزور وحلب بمعونة حزب الله.
هذه الحسبة لم تتحقق، في حين انقلب السحر على الساحر بعد هزائم النظام في خان العسل ومطار منغ العسكري والساحل، وبروز ظاهرة أرعبت النظام هي انهيار غير مسبوق في مستوى جيشه القيادي، الذي بقي متماسكاً طيلة عامي الصراع وأبقى الجيش موحداً. في خان العسل ومنغ والساحل، فر الضباط قبل الجنود، وبدا أن مرحلة جديدة تنشأ، تؤذن باحتمال وقوع انهيار سريع ومباغت في النظام نفسه.
أمام هذا الاحتمال، فكر من يتولون إدارة الحرب ضد الشعب بضربة تفضي بالأحرى إلى انهيار المجتمع الثائر في منطقة دمشق، على أن تكون قوية إلى درجة تؤدي لانهيار الجيش الحر نفسه، وبالتالي إلى إطالة عمر النظام وإعطائه ما يكفي من وقت لترميم معنويات ضباطه المحطمة.
يفسر هذا همجية الضربة، التي تقول معلومات أتت من الداخل أن عدد ضحاياها قد يصل إلى عشرة آلاف ضحية، وتؤكد أنها قضت بالفعل على جزء مهم من مجتمع الغوطتين، جعل النظام إبادته ضرورياً لنجاح هجوم عام ضد الجيش الحر، يستعيد الغوطة الشرقية بصورة خاصة، التي ظلت عصية على الإخضاع رغم تجويعها المنهجي طيلة قرابة تسعة أشهر، ويقضي على من حرروها ويمثل حضورهم فيها تهديداً للنظام، تزيده خطورة ورهبة ظاهرة انهيار معنويات وأداء ضباطه.
لم تفض الجريمة إلى انهيار مجتمع الغوطتين، رغم ما ألحقته من خسائر جسيمة بالسكان وببعض وحدات الجيش الحر المرابطة في دوما ومنطقتها بصورة خاصة، وبطواقم الخدمات الطبية والإغاثية، التي اتهمها الروس بشن الضربة الكيماوية (ربما فعلت ذلك للقضاء على نفسها ولإبادة حاضنتها الشعبية!).
لقد أظهر الشعب تماسكاً مذهلاً وقدرة خارقة على تحمل الألم والخسائر، بينما ذهل العالم بأسره من طابع الضربة الانتحاري، الذي ستكون له نتائج وخيمة على النظام، أقله لأنها ستجبر المعارضة على تصحيح أخطاء تراكمت لم يفد أحد منها غير السلطة، يعني تصحيحاً إجبار الخارج على مراجعة حساباته ومواجهة جرائم الأسدية، التي أثارت الرعب في المنطقة برمتها، وأكدت أن مخاطرها تتجاوزها إلى العالم وأنها تهدد أمنه وسلامه.
لن تفضي جريمة الغوطتين إلى وقف انهيار حلقة النظام القيادية، ويرجح أن تلعب دوراً حقيقياً في تسريعه. هذا ما أظهره تهافت هجوم الجيش الأسدي على المنطقة، بعد قصفها بالسلاح المحرم دولياً.
تقرب هذه الجريمة المروعة سوريا من لحظة حسم صار مؤكداً أنها ستنتهي بسقوط الأسدية وانتصار الشعب، وأن هذه النتيجة ستتحقق من الآن فصاعداً بيد السوريين، وأنها تصير أكثر فأكثر في متناول أيديهم!
عن «الشرق الأوسط»