لا شك أن قضايا الرياضة اليوم قد تجاوزت حدود الأفراد والمجتمعات الصغيرة لتنتقل إلى كل العالم بطريقة مذهلة، فالرياضة هي عنوان التطور والتقدم وبناء شبكات وشراكات وشركات عابرة للقارات، سواء من العلاقات الإنسانية أوالاقتصادية أو الصحية أو الاجتماعية، فلم تعد الرياضة كما كنا نفهمها قبل 30 عاماً، وهي أنها مجرد كرة قدم نلعبها في الحواري دون حذاء.
إن تطور مفهوم الرياضة وتوسعاتها الرهيبة جعلت العالم ينتقل من الجمود إلى الحركة، ومن المشاهدة الباهتة إلى المشاركة الفاعلة، ولهذا فإنها وفي كثير من الأحيان، تجاوزت بقوة حضورها وسطوتها كل الأصعدة الأخرى وعلى رأسها السياسة.
لم تعد الرياضة مجرد كرة قدم أو كرة يد أو طائرة أو سلة أو بعض الألعاب المتعلقة بألعاب القوى، بل أصبحت كياناً قائماً بذاته، حتى باتت تشكل اقتصادات دول كبرى، وفي كثير من جوانبها جذبت شريحة مهمة من المجتمع الإنساني والدولي إلى صفوفها، بل باتت منافساً قوياً للسياسة في كثير من الأحيان.
في ظل تطور هذا المفهوم العالمي للرياضة، وما تملكه من سطوة رهيبة في عالمنا المعاصر، ما زال بعض العرب يتعاملون مع الرياضة كجزء هامشي في حياتهم الفعلية، سواء على مستوى الحكومات أو الشعوب أو المؤسسات الرياضية المختلفة، دون الالتفات إلى أن الرياضة قد تشغل الشباب العربي عن الدخول في متاهات السياسة وفوضتها، إضافة لمقدرتها على توحيد صفوفهم بطريقة عصية على الفهم، كما إنها في المجمل ترفع من مداخيل الاقتصاد العربي المترنح تحت ضربات السياسة وتدهور الاقتصاد العالمي، لكن ومع ذلك فإن العرب مازالوا متخلّفين في هذا الجانب الذي تقدمت فيه مجموعة من الدول التي لا تملك نفطاً أو رؤوس أموال ضخمة، لكنها العقلية المتطورة التي تدير المشاريع الرياضية في عمومها.
لا يمكن أن نتحدث عن أهمية إشغال الشباب العربي عن متاهات السياسة وإلهائهم بالرياضة الجيدة وبناء الصحة والاقتصاد من خلالها، وهم مازالوا يفتقرون للبنية تحت التحتية للرياضة، فلا توجد خطط ولا استراتيجيات ولا مرافق رياضية ولا رياضيون ولا أي شيء له علاقة بالرياضة في مفهومها الحديث في وطننا العربي، وإن برزت موهبة رياضية كبيرة، فإنها تفضل خيار الهجرة نحو الغرب كي تلقى الاحترام والتقدير.
مازلنا نعتقد أن الرياضة أمر ثانوي بالنسبة إلى بقية الأمور الأخرى، لكن صدقوني لو اشتغل العرب بالرياضة بطريقة احترافية قبل نحو 30 عاماً من قبل، كما فعل ذلك بقية دول العالم، لوجدنا شبابنا أكثر تطوراً واندماجاً بالمجتمعات الأخرى، ولرأينا اقتصاداتنا أكثر صلابة حتى من الدول النفطية، ولرأينا شبابنا العربي مشغولاً بالاحتراف في مختلف الرياضات، ولما وجدنا شاباً صغيراً يخرج في مظاهرات جماهيرية وهو يحمل لافتة لا يعلم ما هو مكتوب عليها في مختلف العواصم العربية، لكنها العقلية العربية الجامدة التي تصر على عدم دخول العصر عبر بوابة الرياضة الجميلة، وإصرارها الشديد على أن تجعل من السياسة كل شيء، بينما الرياضة العالمية هي التي تقود شباب العالم نحو التقدم والتطور. أما أطفال العرب، فإنهم مازالوا يفتشون عن ملاعب وأندية وكرة قدم ولو من القش، لممارسة هواياتهم الرياضية التي أهانتها الحكومات العربية بكل اقتدار.