سقطت كثير من الأقنعة في تلك المنظمات الأهلية المتواريــة خلـــف ستــــار «الدينية» و«الخيرية»، وتكشفت الأغراض والنوايا، كما ثبت لبعضها اتصال بالخارج وتلقي الدعم منه على أوجه متعددة، ما يشي بضرورة التنبه لما يشكله ذلك من خطر حقيقي على الوطن عبر اختراق أجهزته والتلاعب بمخرجات تلك الأجهزة والمؤسسات أو إنتاجها حسبما يخدم مصالحهم والتي قد تصب في كثير من الأحيان في مصالح خارجية عبر عمليات تبادلية للمنافع، ديدنها «بيع الوطن».
قد لا يكون ما سبق أمراً حتمياً يمكن تطبيقه على كل فرد انتمى لمنظمة دينية أو خيرية؛ لكن لا يمكن التغاضي البتة عن الإفرازات التي قد تخرج عن أولئك المستترين بالدين، عملاً بنظرية «التفاحة العفنة». وكما عزمت الدولة على اجتثاث الإرهاب الأمني من جذوره في المملكة، من الضرورة بمكان أن توجه اهتمامها لجذور ذلك الإرهاب والمتمثلة في الإرهاب الأيديولوجي، والذي مارسته بعض المنظمات الدينية في البحرين ظاهراً وباطناً.
وإننا إذ نستوحي رؤانا من دستور مملكة البحرين، ونطالب بالعدالة المساواتية والتي تقتضي عدم التمييز بين المجموعات البشرية تمييزاً عرقياً أو عقائدياً أو إثنياً وما شابه، فإننا أيضاً نطالب بالعدالة السياسية والتي يتفرع عنها ما يمكن تسميته بـ«العدالة الانتخابية»، وقد لوحظ الحضور الطاغي لأعضاء المنظمات الدينية تحت قبة البرلمان، لدواعٍ وأسباب لا تقتصر على الكفاءة المهنية والأكاديمية، بقدر ما تتعلق بالانتماء لمنظمة دينية ما، ومرجع ذلك ما تملكته تلك المنظمات من أدوات استقطاب خاصة، جعلتها تتفوق على الجمعيات السياسية المستقلة عن الانتماءات الدينية، ولا نعني بالاستقلال عن الانتماءات الدينية مفهوم «العلمنة»، وإنما الانضواء المباشر والرسمي تحت مظلة منظمة دينية.
لقد أسهمت أدوات الاستقطاب تلك في الإخلال بميزان العدالة الانتخابية في البحرين وفي كثير من الدول الأخرى، ما كان يرجح كفة بعض المترشحين سلفاً وفق انتمائهم، ورغم أن الحديث في أدوات الاستقطاب وسبل ضبطها واسع جداً، إلا أننا أوردنا بعضاً منها في مقالات سابقة في ما يتعلق بالمنابر الدينية والصدقات والأنشطة الاجتماعية المختلفة التي تقدمها تلك المنظمات، بما يسهم في اجتذاب الولاء الشعبي إليها بغض النظر عن توجهاتها الأيديولوجية وممارساتها السياسية. ولعلنا أثناء ذلك نلحظ الترويج الذي تقدمه تلك المنظمات لبعض شخوصها المزمع تقدمهم للترشح في الدورات الانتخابية المقبلة، وما يصاحبه من أنشطة دينية وخيرية مكثفة تظهر فيها صور هذا العضو بارزة وكأنها من جيبه الخاص أو هبات وعطايا يقدمها لجمهوره، ورغم أن الأمر لا ينطبق بالضرورة على الجميع ولكنه موجود بما يكفي لأن ندق أجراس الخطر، والتبصر في الأشكال الحديثة للرشاوى، أو لـ«الرشاوى الحلال» إن أراد مانحوها الاستتار خلف تلك التسمية.
تحقق المنابر الدينية للخطيب والإمام كاريزمية خاصة، وتمنحه فرصة كبيرة دون سواه من المترشحين لعضوية المجلس النيابي لترويج نفسه وما يتطلع لتحقيقه من الأجل المواطن بأسلوب أو بآخر، وهو ما يتعارض مع المفهوم السليم للعدالة الانتخابية، نظراً لعدم تكافؤ الفرص، ولما يترتب عليه من استغلال لتلك المنابر الدينية في غير ما وضعت لأجله، فالعدالة الانتخابية تقتضي توفير فرص انتخابية متساوية، والبعد عن الشبهات وجعل الدين مطية للوصول إلى المجلس، كما تستوجب إثبات الولاء المواطني للدولة قبل أي انتماء آخر، وبعيداً عن الولاء المطلق الممنوح من قبل العضو لمنظمته الدينية كما هو حاصل في بعضها، ومن أجل ذلك يقترح منع الأئمة والخطباء من الترشح للكرسي النيابي أو البلدي على السواء خلال فترة توليهم منصب الخطابة أو الإمامة أو بعد استقالتهم، فضلاً عن ضرورة المنع من الانضمام لأي جمعية سياسية أو دينية أو خيرية خلال فترة تولي المنصب. إن العدالة الانتخابية تقتضي أن يمثل العضو البرلماني انتماءاته ما لم تتعارض مع المصلحة العامة ومصلحة الوطن وأمنه.
ومن هذا المنطلق، لابد من إجراء تعديل على وضع المنظمات السياسية المتفرعة من منظمات أخرى دينية، وازدواجية العضويات، وضرورة العمل على الفصل بين المنظمتين. ويتمخض عن ذلك منع كل من حصل في تاريخه على عضوية جمعية خيرية ما، حتى لا تقتصر مناصب الدولة ومراكز القرار فيها على فئة دون أخرى وتظل حكراً عليها، لاسيما في ظل تغييب شريحة واسعة من الكفاءات الوطنية في المنظمات السياسية المستقلة عن منظمات دينية أو من المترشحين المستقلين في ظل المد الديني الآخذ في التصاعد والتخندق والتحزب، ولعل التحزبات والانقسامات طفت على الساحة أكثر بعد ظهور مجلس النواب، لما يحققه ذلك من مصالح شخصية لنيل المناصب والمكاسب تحت جلباب الدين، رأس المال الأمثل للاستثمار في بلداننا، ولذلك ساد في الكاريكاتيرات الساخرة، والتعليقات الطريفة ونوادر المجالس ضرورة أن يطلق المرء لحيته أو يضع على رأسه عمامة ليصل إلى كرسي البرلمان (مع احترامي لأصحاب اللحى).
إننا إذ نتطلع للعدالة الانتخابية فإن جلّ ما نهدف إليه أن يكون لدينا مجلس نيابي يقوم على احترام التعددية الفكرية والسياسية، من دون تمييز أو إقصاء أو تهميش للآخر من أصحاب الكفاءات الوطنية المتعددة، ومن غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، وإننا نتطلع لعدالة انتخابية تقوم على ناخبين ولاؤهم المطلق للوطن. ولضمان الولاء المطلق للوطن لابد التنبه من استقلالية تلك المنظمات بذاتها، وعدم انصياعها لأوامر أو طلبات جهات أخرى، لاسيما خارجية، ومن أجل ذلك لابد من منع المنظمات التي يثبت اتصالها بالخارج أو تنتمي لتنظيمات خارجية ما، أو تتفرع عنها، بغض النظر عن نشاط تلك المنظمة وأهدافها. وكذلك المنظمات التي ثبت تأييدها لمواقف منظمات سياسية خارجية -وإن لم تنتمِ إليها- بما لا يتلاءم مع طبيعة السياسة الخارجية للمملكة ورؤاها الاستراتيجية لحفظ أمن واستقرار المنطقة.
ما سبق، ليس حرباً شعواء على الدين، كما يصورها البعض، وليس مشروعاً لعلمنة مملكة البحرين كما ادّعى آخرون، ولكنه مناهضة للتكسب بالدين والتواري خلف ستاره، أما ماعدا ذلك فأغلب من سيترشح لعضوية المجلس النيابي ما لم يكن جميعهم «مسلمون»، ولابد أنهم يفقهون في الدين ويراعون أحكامه وضوابطه على درجات متفاوتة، فضلاً عن الاعتبارات الثقافية التي تتميز بها الحياة العربية، والخليجية، والبحرينية على وجه الخصوص والتحديد، بما تشمله من منظومة قيمية يلتزم بها الجميع في الغالب، أما الخروج عنها حيناً وطرح رؤى مغايرة فليس بالضرورة أن يكون شذوذاً فكرياً أو ارتداداً دينياً أو انحرافاً عن الفطرة السليمة، بقدر ما هو إطلاق عنان الفكر بتأملات في فضاءات واسعة وآفاق مختلفة قد تمنحنا فرصة الابتكار وطرح الجديد، ولنا أن ننتقي لمجتمعنا ما يتوافق مع طبيعة البيئة والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية على السواء، في موازنة شاملة، وبما يواكب متطلبات العصر الحديث، وبما لا يتعارض بشدة مع ممارسات الدين على هذه الأرض المسلمة وما تحويه من مكونات وطنية متنوعة.
قد لا يكون ما سبق أمراً حتمياً يمكن تطبيقه على كل فرد انتمى لمنظمة دينية أو خيرية؛ لكن لا يمكن التغاضي البتة عن الإفرازات التي قد تخرج عن أولئك المستترين بالدين، عملاً بنظرية «التفاحة العفنة». وكما عزمت الدولة على اجتثاث الإرهاب الأمني من جذوره في المملكة، من الضرورة بمكان أن توجه اهتمامها لجذور ذلك الإرهاب والمتمثلة في الإرهاب الأيديولوجي، والذي مارسته بعض المنظمات الدينية في البحرين ظاهراً وباطناً.
وإننا إذ نستوحي رؤانا من دستور مملكة البحرين، ونطالب بالعدالة المساواتية والتي تقتضي عدم التمييز بين المجموعات البشرية تمييزاً عرقياً أو عقائدياً أو إثنياً وما شابه، فإننا أيضاً نطالب بالعدالة السياسية والتي يتفرع عنها ما يمكن تسميته بـ«العدالة الانتخابية»، وقد لوحظ الحضور الطاغي لأعضاء المنظمات الدينية تحت قبة البرلمان، لدواعٍ وأسباب لا تقتصر على الكفاءة المهنية والأكاديمية، بقدر ما تتعلق بالانتماء لمنظمة دينية ما، ومرجع ذلك ما تملكته تلك المنظمات من أدوات استقطاب خاصة، جعلتها تتفوق على الجمعيات السياسية المستقلة عن الانتماءات الدينية، ولا نعني بالاستقلال عن الانتماءات الدينية مفهوم «العلمنة»، وإنما الانضواء المباشر والرسمي تحت مظلة منظمة دينية.
لقد أسهمت أدوات الاستقطاب تلك في الإخلال بميزان العدالة الانتخابية في البحرين وفي كثير من الدول الأخرى، ما كان يرجح كفة بعض المترشحين سلفاً وفق انتمائهم، ورغم أن الحديث في أدوات الاستقطاب وسبل ضبطها واسع جداً، إلا أننا أوردنا بعضاً منها في مقالات سابقة في ما يتعلق بالمنابر الدينية والصدقات والأنشطة الاجتماعية المختلفة التي تقدمها تلك المنظمات، بما يسهم في اجتذاب الولاء الشعبي إليها بغض النظر عن توجهاتها الأيديولوجية وممارساتها السياسية. ولعلنا أثناء ذلك نلحظ الترويج الذي تقدمه تلك المنظمات لبعض شخوصها المزمع تقدمهم للترشح في الدورات الانتخابية المقبلة، وما يصاحبه من أنشطة دينية وخيرية مكثفة تظهر فيها صور هذا العضو بارزة وكأنها من جيبه الخاص أو هبات وعطايا يقدمها لجمهوره، ورغم أن الأمر لا ينطبق بالضرورة على الجميع ولكنه موجود بما يكفي لأن ندق أجراس الخطر، والتبصر في الأشكال الحديثة للرشاوى، أو لـ«الرشاوى الحلال» إن أراد مانحوها الاستتار خلف تلك التسمية.
تحقق المنابر الدينية للخطيب والإمام كاريزمية خاصة، وتمنحه فرصة كبيرة دون سواه من المترشحين لعضوية المجلس النيابي لترويج نفسه وما يتطلع لتحقيقه من الأجل المواطن بأسلوب أو بآخر، وهو ما يتعارض مع المفهوم السليم للعدالة الانتخابية، نظراً لعدم تكافؤ الفرص، ولما يترتب عليه من استغلال لتلك المنابر الدينية في غير ما وضعت لأجله، فالعدالة الانتخابية تقتضي توفير فرص انتخابية متساوية، والبعد عن الشبهات وجعل الدين مطية للوصول إلى المجلس، كما تستوجب إثبات الولاء المواطني للدولة قبل أي انتماء آخر، وبعيداً عن الولاء المطلق الممنوح من قبل العضو لمنظمته الدينية كما هو حاصل في بعضها، ومن أجل ذلك يقترح منع الأئمة والخطباء من الترشح للكرسي النيابي أو البلدي على السواء خلال فترة توليهم منصب الخطابة أو الإمامة أو بعد استقالتهم، فضلاً عن ضرورة المنع من الانضمام لأي جمعية سياسية أو دينية أو خيرية خلال فترة تولي المنصب. إن العدالة الانتخابية تقتضي أن يمثل العضو البرلماني انتماءاته ما لم تتعارض مع المصلحة العامة ومصلحة الوطن وأمنه.
ومن هذا المنطلق، لابد من إجراء تعديل على وضع المنظمات السياسية المتفرعة من منظمات أخرى دينية، وازدواجية العضويات، وضرورة العمل على الفصل بين المنظمتين. ويتمخض عن ذلك منع كل من حصل في تاريخه على عضوية جمعية خيرية ما، حتى لا تقتصر مناصب الدولة ومراكز القرار فيها على فئة دون أخرى وتظل حكراً عليها، لاسيما في ظل تغييب شريحة واسعة من الكفاءات الوطنية في المنظمات السياسية المستقلة عن منظمات دينية أو من المترشحين المستقلين في ظل المد الديني الآخذ في التصاعد والتخندق والتحزب، ولعل التحزبات والانقسامات طفت على الساحة أكثر بعد ظهور مجلس النواب، لما يحققه ذلك من مصالح شخصية لنيل المناصب والمكاسب تحت جلباب الدين، رأس المال الأمثل للاستثمار في بلداننا، ولذلك ساد في الكاريكاتيرات الساخرة، والتعليقات الطريفة ونوادر المجالس ضرورة أن يطلق المرء لحيته أو يضع على رأسه عمامة ليصل إلى كرسي البرلمان (مع احترامي لأصحاب اللحى).
إننا إذ نتطلع للعدالة الانتخابية فإن جلّ ما نهدف إليه أن يكون لدينا مجلس نيابي يقوم على احترام التعددية الفكرية والسياسية، من دون تمييز أو إقصاء أو تهميش للآخر من أصحاب الكفاءات الوطنية المتعددة، ومن غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، وإننا نتطلع لعدالة انتخابية تقوم على ناخبين ولاؤهم المطلق للوطن. ولضمان الولاء المطلق للوطن لابد التنبه من استقلالية تلك المنظمات بذاتها، وعدم انصياعها لأوامر أو طلبات جهات أخرى، لاسيما خارجية، ومن أجل ذلك لابد من منع المنظمات التي يثبت اتصالها بالخارج أو تنتمي لتنظيمات خارجية ما، أو تتفرع عنها، بغض النظر عن نشاط تلك المنظمة وأهدافها. وكذلك المنظمات التي ثبت تأييدها لمواقف منظمات سياسية خارجية -وإن لم تنتمِ إليها- بما لا يتلاءم مع طبيعة السياسة الخارجية للمملكة ورؤاها الاستراتيجية لحفظ أمن واستقرار المنطقة.
ما سبق، ليس حرباً شعواء على الدين، كما يصورها البعض، وليس مشروعاً لعلمنة مملكة البحرين كما ادّعى آخرون، ولكنه مناهضة للتكسب بالدين والتواري خلف ستاره، أما ماعدا ذلك فأغلب من سيترشح لعضوية المجلس النيابي ما لم يكن جميعهم «مسلمون»، ولابد أنهم يفقهون في الدين ويراعون أحكامه وضوابطه على درجات متفاوتة، فضلاً عن الاعتبارات الثقافية التي تتميز بها الحياة العربية، والخليجية، والبحرينية على وجه الخصوص والتحديد، بما تشمله من منظومة قيمية يلتزم بها الجميع في الغالب، أما الخروج عنها حيناً وطرح رؤى مغايرة فليس بالضرورة أن يكون شذوذاً فكرياً أو ارتداداً دينياً أو انحرافاً عن الفطرة السليمة، بقدر ما هو إطلاق عنان الفكر بتأملات في فضاءات واسعة وآفاق مختلفة قد تمنحنا فرصة الابتكار وطرح الجديد، ولنا أن ننتقي لمجتمعنا ما يتوافق مع طبيعة البيئة والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية على السواء، في موازنة شاملة، وبما يواكب متطلبات العصر الحديث، وبما لا يتعارض بشدة مع ممارسات الدين على هذه الأرض المسلمة وما تحويه من مكونات وطنية متنوعة.