أجد نفسي مرغماً على العودة إلى نقطة طرحتها سابقاً، لما لها من واقعية وتناسب الإسقاط المحلي، فقد صنع القانون من سنغافورة بلداً متقدماً في ربع قرن، حدث ذلك من خلال عدة مقومات، إلا أن تطبيق القانون على الجميع وبحزم، وشحذ الهمم الوطنية مما جعل من سنغافورة كما ترون اليوم.
الشاهد اليوم، وليسمح لنا من بيده القرار، أن من يجعل اقتصادنا يعاني من الإرهاب هو القرار السياسي حين نفرط في فرض الأمن، حتى وإن كانت هناك مسوغات خارجية، نحن من فرطنا في أمن بلدنا لربع قرن، فمن يحفظ الأمن هو سلطة الدولة وهيبة القانون، وتنفيذ القانون بقوة وحزم، لا أن نترك الرعاع يدمرون الاقتصاد بالعمليات الإرهابية، ونعلم أنهم يذهبون ويتدربون بالخارج ويعدون العدة ونرى حركة الأموال ونسكت باسم الديمقراطية.
أصبحنا أيضاً نسكت حتى نرضي أمريكا وغيرها من الدول التي تتظاهر أنها حليفة، وهي متآمرة علينا، أصبحنا لا نستطيع تطبيق القانون إلا بضوء أمريكي، وهذا مؤلم لنا كمواطنين.
ينتعش الاقتصاد بفرض الأمن، لكننا أعطينا الإرهابي المساحة للعب، فلماذا لا يلعب ويرهب ويقوض الأمن حتى يفرض أجنداته ويمسكنا من اليد التي توجعنا؟
بالتالي فإن من دمر اقتصادنا هو تعطيل قرار حفظ الأمن ودحر الإرهاب، والوصول للجذور ونزعها، الأمن لا تمنحه لنا جماعات إرهابية، الأمن لا تمنحه الجمعية الانقلابية حين تجلس على طاولة الحوار معها، وهي تدفع الإرهابيين للشارع، الأمن تفرضه الدولة بسلطتها وقانونها.
هذا البلد بلد صغير، كيف لا نصل إلى كل الإرهابيين؟! لا أعرف.
الحلقة تجر إلى حلقات، هكذا يفترض، من ينظر إلى سنغافورة كمثل راقٍ، عليه أولاً أن يطبق القانون على هذا وذاك، على المجتمع ككل؛ من إلقاء الأكياس من نافذة السيارة إلى المحرض والإرهابي والممول، الأخطر في ذلك هو الممول، فالإرهاب حتى وإن كان هناك من يحرض فإنه دون مال يموت. رغم كل الصورة الموجودة، إلا أننا نملك شعباً رائعاً، رغم أن الدولة تتعامل معه في أحيان كثيرة بالتهميش إلا أنه لا يحرق ولا يخرب ولا يغدر، وفي الأزمات يظهر معدنه، ويعلن أنه جندي في خدمة الوطن في أي مكان، هؤلاء هم العزوة والسند والرجال الذين تقوم على أكتافهم الدول. يخبرني أحد الإخوة أنه هو وأسرته كانوا قد حجزوا للسفر منذ شهر أبريل الماضي للسياحة والاستجمام في هذا الشهر، يقول الأخ أجلت سفري، أشعر حتى وأنا أعمل في القطاع الخاص أن الوطن يحتاجني ولو بالتواجد في الأيام التي يتوعد فيها الإرهابيون بالفوضى.
يقول هذا الرجل نحن لا نهرب، فهذا الوطن أغلى ما نملك، ونحن رهن الإشارة حتى ونحن نعلم أن رجال الأمن لا يحتاجون منا غير الدعاء، إلا أننا لا نهرب.
هناك توجه جميل لدى أهل البحرين لمواجهة دعوات التمرد وإغلاق المحال التجارية بالقوة، أهل البحرين سيعيشون حياتهم بشكل طبيعي، حتى أن هناك دعوات لزيادة الشراء من المجمعات والمحلات التجارية، وهناك ثمة شيء آخر جميل وهو أن أهل البحرين يثقون تماماً أن من يطلق دعوات للتمرد هو في الأصل فاشل ومنهزم ويعاني من ويلات انهزامه. توجه أهل البحرين ليس غريباً؛ لكن ما نريده أن تصحوا الدولة لترى بعين الحقيقة من الذين يستحقون الدعم، ومن يجب ألا نقدم لهم الدعم وهم في كل ليلة يغدرون ويريدون الضرب في الظهر.
غير أن بعض الوزارات في غيبوبة وتريد تطوير مناطق الإرهاب والحرق والتدمير، لا أعرف ماذا أقول؛ من يخرب ويحرق المرافق العامة لا يجب أن نكافئه بميزانيات التطوير وكأننا نحرق ميزانية الدولة.
إن كانت هناك قوائم للتجار الذين دعموا الانقلاب بالأموال بعد أن صنعتهم الدولة، فبالمقابل تجار وطنيون وقفوا وقفة مشرفة في الأزمة، بعضهم أخذ يوزع الماء والوجبات على رجال الأمن، إلى هؤلاء يجب أن تلتفت الدولة، مثل هؤلاء يجب أن نعطيهم المميزات والتفضيل، فلا يستوي من هو مع الحق ومن هو مع الباطل.
قائمة التجار المتآمرين يجب أن تقابلها قائمة تجار شرفاء وقفوا من تلقاء أنفسهم مع البلد، ولم يقل لهم أحد افعلوا ذلك. ذات الفكرة وعلى صعيد آخر؛ كم تمنيت من قادة البلد أن يقابلوا رجال الأمن الميدانيين الذين يواجهون الإرهاب في الشوارع ويجلسون معهم، ويسمعون منهم، هؤلاء هم الخط الأول للدفاع عن كرامة الوطن، ضباط وأفراد.
سيكون لتكريمهم معنى كبير، قادة البلد دائماً يقابلون كبار الضباط، وقد أخذوا حقهم من الشكر والتقدير، لكن اليوم يجب أن نقابل وندعم ونشعر الذين يقفون ليل نهار في الشوارع أن التقدير يأتيهم من قادة البلد.
على الدولة اليوم أن تصحوا، وأن ترى بعينيها ما يجري في مؤسسات كثيرة، هذه المؤسسات تضخ أموالاً من غير حساب في اتجاه ربما يكون خاطئاً، بل إن من يمسك بزمام الأموال ويملك قرار صرفها ليس لديه حسٌ وطني، مؤسسات يقطع من رواتبنا من أجلها، وهي تذهب بأموال أهل البحرين لتعطيها لمن يضربنا ويضرب الدولة في ظهرها.
هذا مؤلم، حتى الساعة لم نستوعب درس 2011، ولم نغير الوجوه الرمادية التي تظهر أنها مع الدولة وهي تعمل ضدها، متى تستفيقون وكم درس تحتاجون؟! لا أعرف.
مبدأ الحوار مع من يحملون هم الوطن ومع الوطنيين أمر طيب، لكن أن أتحاور مع الخائن ومن يريد زوال الدولة، ومن يضع يداً على طاولة الحوار ويداً مع الإرهابيين سيضيعنا، كفى مجاملات قد تضيع البلد، الهدف واضح، وما نراه وترونه لا يحتمل إلا قراءة واحدة، فإلى متى نتحاور مع الخائن بائع الوطن ومن يضع يده مع الإيرانيين؟
اليوم هناك خلل واضح في مسألة التعامل مع الأحداث وما يجري على الأرض من تطورات، ليس مطلوباً من الإعلام أن يصطف مع جهة ضد جهة، لكن هناك دوراً تثقيفياً وتوعوياً وقانونياً من شأنه أن يرشد أناساً كثر مغرر بهم، أكانوا مراهقين أو أولياء أمور، لكننا منذ أحداث 2011 ونحن لم نعرف الطريق، وكأن المهم أن نظهر أن البحرين ليست بها مشكلة، وهذا ليس من العقل في شيء، هناك مشكلة لكن كيف نعالجها هذا ما نتحدث عنه، هل نعالجها بالأغاني الوطنية واحدة تلو الأخرى؟
كما أسلفت الحوار مع من يرهب ويقتل ويدمر الاقتصاد كان جرماً كبيراً في حق الوطن، وهذا جعلنا نصل إلى ما وصلنا إليه، نشعر أن الدولة مازالت لا تعرف ماذا تريد، مرة تشحن باتجاه الحوار، ومرة تشحن باتجاه محاربة الإرهاب وتطبيق القانون، حتى أن المراقب يحتار في أمره، فيقول أين هي بوصلة هذه الدولة؟
المجلس الوطني أقر توصيات ضد الإرهاب خرجت في مراسيم وقوانين، ألا ينبغي من المجلس الذي أقر التوصيات أن يراقب تنفيذها؟
أم أن دور المجلس انتهى في جلسة واحدة والسلام؟
هناك أسئلة تشغلنا كمواطنين، هل هناك وزراء يماطلون في تنفيذ التوصيات، لا نعرف، أصبحنا في حيرة من أمرنا؛ أين الخلل؟! لا نعرف.
إذا كانت الدولة تتحين التوقيت المناسب لتطبيق القانون، وأعني هنا أن الدولة تنتظر أن يمر تاريخ معين وبعدها تطبيق القانون باتجاه أشخاص بعينهم، فإن هذا قد يكون جيداً كاستراتيجية ورؤية في اختيار التوقيت المناسب، لكن هناك تخوفاً من أن التوصيات جمدت والقانون جمد بضغوط خارجية، هذا ما يروج له الانقلابيون.
الأسئلة كثيرة؛ فإسقاط الجنسيات مثلاً، هل سيتم من خلال القضاء أم بقرارات؟ وهل تداركنا الأخطاء القانونية التي وقعنا فيها خلال الأزمة الماضية؟
من وحي الأزمة الماضية أيضاً هناك أمور يجب أن نقولها للدولة التي ضيعت الطريق حين أدارت ظهرها لمن وقفوا معها في الوزارات الهامة وفي الشركات الكبيرة الحساسة وعلى رأسها بابكو وألبا.
في بابكو تحديداً حدث أمر لا أعرف إلى أين وصل اليوم، لكن قيل إن سمو رئيس الوزراء تدخل لحل الموضوع، وهو أن الشركة تريد التخلص ممن وقفوا وقفة مشرفة في الأزمة كمتطوعين أو موظفين، بل إن بعضهم يحارب على موقفه وكأنه خائن لوطنه، هذا يحدث في أماكن كثيرة وفي شركات كبيرة، أكانت شركات نفط أو ألمنيوم أو اتصالات أو نحوها من شركات.
الدولة وكأنها تعاقب من وقف وقفة شرف وتطيب خاطر من غدر بها، هذا مؤلم ويجعل البعض يقول: «لن أقف اليوم مع أحد» فمن وقفت معهم أداروا ظهرهم لي وكأني بائع للوطن.
في الوزارات الحساسة التربية، الكهرباء، الصحة، المالية، المصرف المركزي (الذي يبدو أنه لم يتعاف بعد) والبلديات، في كل هذه الوزارات، ماذا فعلنا مع من وقف وقفة مشرفة وكان لا يذهب إلى بيته من أجل وطنه؟ هل ضحينا بهم؟ هل تركناهم لنهش بعض المسؤولين الذين كانت لهم مواقف عار في الأزمة؟ هل صححنا الأمور في وزارتين من أخطر الوزارات؛ كالتربية والصحة؟ ماذا لو كان هذا اليوم الموعود أثناء الأيام الدراسية؟ كيف سيكون حال وزارة التربية التي مازلت وكراً ومرتعاً لمن يضرب عن العمل ويخون وطنه؟
همنا كبير، وألمنا من الدولة قبل الخائن، الدولة التي تضع نفسها عرضة للأجندات دون أن تصحح الأمور، ودون أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
سنغافورة صعدت حين طبقت القانون، بينما لم يكن لديها إرهاب كما لدينا، فماذا نفعل نحن بأنفسنا وباقتصادنا حين نفرط في تطبيق القانون.
الأمن من عند الواحد الأحد، هو الذي يسبغ الأمن على عباده، ومن بعد الله فإن في رقبة الدولة تطبيق القانون بقوة وصرامة ودون تراجع، هكذا يستقيم ظهر الدولة المعوج اليوم.
نعم الإرهابي نعرفه ونعرف أنه فاشل ولن ينجح بتكاتفنا كمجتمع بحريني، لكن إلى متى نترك له الساحة، ولا نتحرك إلا إذا ضرب الإرهاب مناطق بعينها، الوجع من البطن، وإلا فإن الرعاع لا يحركون شعرة من جسد أهل البحرين..!
رذاذ
من أكبر أخطاء الدولة التي لا تغتفر أنها ظنت بعد اندحار انقلاب 2011 أن الأمور انتهت، وأن الوضع عاد إلى سابقه، فقط نحتاج مصالحة وحوار كما يصف لنا الأمريكان أو بسيوني.
كان ذلك من أكبر الأخطاء، الانقلاب اندحر في 2011، لكنه لم يمت، وعاد اليوم وسيعود غداً، مادامت الدولة تظن أن الأمور أصبحت منتهية، وفي صالحها.
دائماً من باب الاسترخاء والركون تأتي الكوارث، هكذا يقول التاريخ..!
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}