تابعنا مؤخراً الأخبار التي أفادت بانتهاء وزارة الإسكان من برنامج الدفعة الأولى لتسليم عقود الانتفاع لـ 1675 مستفيداً بمشاريع شمال شرق المحرق والمالكية وجدحفص والبسيتين، وقد نقنع أنفسنا بمشاركة المستحقين فرحتهم بتحقيق حلم العمر بامتلاك منزل خاص، ولا أبالغ إن قلت أنه أصبح بالفعل حلم العمر، بل وحلم صعب المنال لشريحة واسعة من المواطنين، يراه جزء كبير منهم كابوساً مؤرقاً.وزير الإسكان السيد باسم بن يعقوب الحمر يبذل ولا ريب جهوداً كبيرة لحلحلة هذه المشكلة، لكن التركة ثقيلة جداً ومتراكمة ومهما حاولنا النظر إليها بتفاؤل لا نلبث أن نعود إلى الواقع الصعب، الذي يقول إنه رغم تخصيص أعلى ميزانية للإسكان في تاريخ المملكة وكذلك تخصيص 46% من المنحة الخليجية في مرحلتها الأولى للإسكان، إلا أن معدل ازدياد الطلبات سنوياً إلى نحو 7 آلاف طلب، أي أننا قد نصل نهاية هذا العام إلى 60 ألف طلب إسكاني، حيث تعد أكثر الطلبات تكدساً في المحافظة الشمالية وبها أكثر من 18 ألف طلب، ومثلها في الوسطى التي تشكل 30% من نسبة الطلبات الإسكانية، وكل هذه الأرقام مخيفة حقيقة وتوضح بشكل لا غبار عليه حجم المشكلة، فمهما فعلت الوزارة في ظل إمكانياتها الحالية ومهما أوقف الوزير وزارته على قدم وساق ووصل الليل بالنهار، فكم طلباً ستستطيع أن توفي من إجمالي هذا الأعداد؟!لقد أعلن وزير الإسكان عن خطة طموحة العام الماضي تحوي مشاريع عديدة من خلال استراتيجية لتقليص فترات الانتظار في عام 2016 إلى 5 سنوات، إذ سيتـــم تنفيـــذ نحو 5000 وحدة سكنـيــة موزعة على محافظات المملكة، وإذا ما افترضنا انتهاء الوزارة من تنفيذ كل هذه الوحدات، فكم سيتبقى من إجمالي الطلبات القديمة وكم سيضاف إليها من طلبات جديدة، هنا تكمن المشكلة فالوزارة مهما عملت واجتهدت إلا أن الملف دسم ومتراكم يجعل من كل الجهود -مهمـــا كبــرت- تبدو صغيــرة في مقابل المطلوب إنجــازه وتوفيره!!نعم وضعت الوزارة خطة لتقليص فترة الانتظار إلى 5 سنوات في 2016، تتضمن المرحلة الخمسية بناء 47 ألف وحدة سكنية في مشاريع محددة، و10 آلاف وحدة من خلال البرامج البديلة بالتعاون مع القطاع الخاص بكلفة 2.1 مليار دينار، وهي خطة طموحة لكن المواطنين يسألون ما نسبة ما تحقق منها؟ أما العالمون بالأمور فيقولون هل فعلاً تملك الوزارة طاقة بشرية ولوجستية قادرة على إنجاز كل هذه الوحدات في هذا الزمن القياسي، تبدو المسألة للكثيرين ضرباً من خيال!!فالوزارة قدمت خلال الأربعين سنة الماضية أكثر من 100 ألف خدمة إسكانية، اشتملت على قروض شراء وبناء ووحدات إسكانية وشقق ونفذت على سبيل المثال 8000 وحدة إسكانية في مدينة حمد على مدى 20 عاماً، ورهانها الآن على إنتاج نفس العدد من الوحدات الإسكانية سنوياً، فهل هي «واقعاً» قادرة على ذلك، فضلاً عن أنها مطالبة بإنتاج 50 ألف وحدة إسكانية خلال الخمس سنوات القادمة لحل الملف الإسكاني نهائياً، ومع كل تقديرنا للمسؤولين في الوزارة نسأل: هل هذا فعلاً ممكن؟!إن الواقع اليوم يتطلب ما هو أكبر من جهود وزارة واحدة، فملف الإسكان يحتاج إلى خطة طوارئ وطنية شاملة، تبدأ بمكاشفة الناس بحجم المشكلة الحقيقي وإمكانية حلها، ومن ثم وضع خطة قابله للتحقيق لكنها في نفس الوقت ضخمة وعملاقة، تكون هي الهدف الوطني الأكبر والتحدي المراد تحقيقه وعنوان المرحلة المقبلة، ويجب أن ترصد لها مبالغ ضخمة ويتم الاستعانة بشركات عالمية وإقليمية وتوسيع الشراكة مع القطاع الخاص في البحرين من ممولين ومنفذين، فالقضية اليوم قضية وطن وهذا الملف من أكثر الملفات القابلة للانفجار، والسكوت عنه لا يحل المشكلة بل يفاقمها ويرحلها لسنوات مقبلة لا محالة، والدولة تعي أن ملف الإسكان أكبر من إمكانات الوزارة مهما حاولت، لذلك لابد من أن يتم التحرك لخطة استراتيجية أكبر من مستوى الوزارة، تضع جدولاً زمنياً واضحاً ومراحل تنفيذ جادة، وتشرك الناس فيها وتصارحهم حتى يتفهمون ويقتنعون بوجود عمل جاد، أما بحجم الإنجاز الحالي فمن الصعب جداً إقناعهم أن المشكلة ستحل وأن عليهم الصبر وتقبل الواقع لأنهم لا يرون تصدياً حقيقياً للمشكلة بما يوازي حجمها.شريط إخباري:إلى أن يصبح هذا الحلم حقيقة ونرى خطة طوارئ وطنية تضع استراتيجية عامة لحل مشكلة الإسكان، متى ستنفذ الوزارة توصيات حوار التوافق الوطني الخاصة بالإسكان التي مضى عليها أكثر من سنتين ولماذا لم تنفذ إلى الآن رغم تصديق جلالة الملك عليها؟! فهي ستساهم في تخفيف العبء على كثير من المواطنين إذ إن أهم نقاطها تتمثل بفصل راتب الزوج والزوجة، ورفع سقف الراتب للحصول على الخدمات الإسكانية سواء كانت وحدة سكنية أو شقة تمليك أو قروض الشراء والبناء إلى 1500 دينار، وليس كما هو حاصل الآن فسقف الحصول على وحدة سكنية 900 دينار وقروض الشراء والبناء 1200 بدمج راتب الزوج والزوجة، الناس تسأل وتنتظر.