الرئيس الأمريكي أوقع حلفاءه من الجماعات الراديكالية التي كان ومازال يدعمها في مأزق، فهي تحاول دائماً نفي التهمة الطائفية عنها، وتؤكد أن حراكها «وطني»، ولكن أوباما اليوم أنهى هذه المسألة وأشار إلى أن الحراك «طائفي»





يؤكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما عدم قناعة إدارته بعلاقات جيدة مع المنامة للعام الثالث على التوالي، فنذكر دعم إدارته للجماعات التي حاولت إسقاط النظام في العام 2011، وهي التي نوه لها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام نفسه. وفي العام الذي يليه تحدث عن أهمية مسارات الديمقراطية الصحيحة، وهي ديمقراطية ليست من صنع المجتمع البحريني نفسه، وإنما من صنع من يحاول التغيير السياسي على المدى الطويل. ومفاجأة العام الجاري 2013 تصنيف البحرين بأنها من دول التوتر الطائفي كما هو الحال في العراق وسوريا.
قبل فترة ظهر حديث بأن الإدارة الأمريكية بإمكاناتها الضخمة لديها إشكالية في استقاء المعلومات، الأمر الذي دفع إلى حالة من سوء التقدير في المواقف السياسية تجاه البحرين، وهو ما أدى إلى أن يستفسر الرئيس أوباما عن سبب استخدام حكومة المنامة لطائرات الأباتشي لما أسماه بـ»قمع المتظاهرين». والآن يبدو أن المشكلة مستمرة ولم تعالج من قبل الجهات المعنية في إدارة أوباما.
فمن غير المنطقي جداً أن يتم وصف الوضع الراهن في البحرين بما هو جارٍ في كل من بغداد ودمشق، فرغم حساسية العلاقات الطائفية في جميع بلدان الشرق الأوسط، إلا أن حدة الصراع تختلف تماماً من بلد لآخر، والوضع أكثر استقراراً في البحرين مقارنة بنظيراتها الأخرى.
ليس هذا مهماً كثيراً، ولكن لماذا يقوم الرئيس أوباما بوصف البحرين ببلد التوتر الطائفي؟
يواجه الرئيس الأمريكي منذ عدة شهور ضغوطاً سياسية وشعبية واسعة داخلية تجاه التدخلات الأمريكية في بلدان الشرق الأوسط، وكانت هذه الضغوط سبباً أساسياً دفع إدارته للتخلي عن قرار الضربة العسكرية ضد سوريا، وتبني قرارات أخرى. وحتى نفهم هذه الضغوط فإنها مستقاة من الصراع الدائر في الولايات المتحدة بشأن التحولات الجارية في الشرق الأوسط، فهناك من يراها مصدر تهديد، وهناك من يراها فرصاً استراتيجية.
من يتبنى الرؤية التي تقوم على أن التحولات في المنطقة مصدر تهديد للمصالح الاستراتيجية الأمريكية يبرر رؤيته بأن حالة عدم الاستقرار وتصاعد العنف والتوترات الطائفية وظهور حالات مبكرة من الحروب الأهلية في دول المنطقة من شأنه أن يؤثر سلباً على نفوذ الولايات المتحدة. وعليه فإن الخيار الأنسب هو الابتعاد عن التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، مع ضرورة الحفاظ على المصالح القائمة وفي مقدمتها أمن تل أبيب.
بالمقابل فإن من يرى أن التحولات في الشرق الأوسط تعد فرصاً استراتيجية، فإنه يرى أن حالة الفوضى باتت مستقرة، والدول المستقرة سياسياً وأمنياً على الأقل تعيش حالة من الخوف ـ كما هو الحال بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي والملكيات العربية الأخرى - الأمر الذي يدفع الإدارة الأمريكية إلى الاستفادة من هذا الوضع بزيادة فرص التطبيع المستقبلي بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية والعربية. أيضاً بروز محور ولاية الفقيه ضمن نفوذ إيران امتداداً من طهران مروراً ببغداد وبيروت وانتهاءً بدمشق يساعد واشنطن على الاستفادة اقتصادياً من هذه الحالة من خلال صفقات التسليح التي ارتفعت مشترياتها منذ العام 2010 لتصل إلى أكثر من 49 مليار دولار نتيجة المخاوف والتهديدات الإقليمية التي يثيرها هذا المحور على دول المنطقة وخاصة دول الخليج العربية.
إذن فتصريحات الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بوصف البحرين بلداً للتوتر الطائفي يعكس الرؤية الأمريكية التي ترى في التوتر وعدم الاستقرار فرصاً استراتيجية للولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، فإن الرئيس الأمريكي أوقع حلفاءه من الجماعات الراديكالية التي كان ومازال يدعمها في مأزق، فهي تحاول دائماً نفي التهمة الطائفية عنها، وتؤكد أن حراكها «وطني»، ولكن أوباما اليوم أنهى هذه المسألة وأشار إلى أن الحراك «طائفي».
يتزامن خطاب أوباما بشأن البحرين مع محاولات واشنطن لتطبيع العلاقات مع طهران، وتمثل ذلك في الخطاب الناعم للإدارة الأمريكية وتبنيها الدبلوماسية الإيجابية تجاه إيران، ومحاولة البيت الأبيض الترتيب للقاء قصير بين الرئيسين أوباما وروحاني، ولكن طهران مازالت متشددة إزاء ذلك.
أي تقارب أمريكي - إيراني، فإنه يعني إعلاناً رسمياً لانتهاء التحالف القديم بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وسيساهم في دعم الرؤية الأمريكية التي ترى في تحولات المنطقة بأنها تهديد للمصالح الاستراتيجية.