مشكلة البعض لدينا أنه ينسى، في حين أن التاريخ يوثق الكثير من الأمور وبقليل من التدقيق فيها وتفنيدها والبحث في أسبابها تتضح الكثير من الأمور.
ارجعوا قليلاً للوراء ودققوا في أداء جمعية الوفاق التي تصنف على أنها معارضة، وتحديداً أداءها داخل المؤسسة التشريعية (البرلمان) حينما شاركت في انتخابات 2006 بعد أن قاطعت الفصل التشريعي الأول في 2002.
من جملة ما تقوله الوفاق بشأن البرلمان إنه «عاجز» وأنه لا يمكن التغيير من خلاله، على الرغم أن هذا الادعاء تدحضه الوفاق نفسها وتحديداً في انتخابات عام 2010، إذ كانت هي الجمعية السياسية الوحيدة المشاركة في الانتخابات تصدر «بروشوراً» أي مطبوعاً فاخراً وكبير الحجم، لا للترويج لمرشحيها عبر نشر صورهم، بل ببيان الأسباب التي تدفع الناس للتصويت لمرشحي الوفاق، وهنا استعرضت الوفاق نقاطاً عديدة تصل لقرابة الثلاثين كلها صنفتها على أنها إنجازات حققها عناصر الوفاق من خلال حراكهم داخل المؤسسة التشريعية.
بناء على ذلك فإن ادعاء «عجز» البرلمان مسألة يرد عليها من خلال الوفاق نفسها، حيث يتضح بأن المؤسسة «ككيان» ليست عاجزة، بل «العجز» يكون من خلال تقاعس ممثليها عن أداء واجباتهم، وبحسب ما استعرضته الوفاق من منجزات يتبين بأن البرلمان حقق الكثير. هذا الكلام بحسب ما «تفاخرت» به الوفاق من إنجازات حتى تقنع الناس بالتصويت لناخبيها في انتخابات 2010، خاصة مع «ضيق» الناس من غياب الإنجازات المتعلقة بهم وبتحسين وضعهم المعيشي تحديداً، في حين تم اقتطاع 1% من رواتبهم للتعطل، في جانب آخر تمرير تقاعد نيابي إلزامي للنواب نظير سنوات عمل «مريحة» أدناها 4 أعوام.
أعود للتركيز على مسألة تذكر التاريخ، إذ في حراك الوفاق البرلماني كانت هناك مشاريع ومقترحات معدودة جداً تتعلق بالناس وتحسين أوضاعهم، أقول «معدودة» حتى لا نظلم مقترحاً طرح هنا أو مشروعاً طرح هناك، لكن الملاحظ بأن الحراك الأكبر كان بشأن تعديل قوانين معنية بحماية أمن الدولة وضبط المجتمع، بحيث كانت الطلبات تتركز على «إضعاف» هذه القوانين.
مثال مهم لا يجب تناسيه، حينما سعت الوفاق لتخفيف العقوبات التي تمس أمن الدولة وسيادتها، إذ كانت المقترحات تنحصر في خفض العقوبات أو إلغائها على من يتطاول على رموز البلاد، أو تخفيض العقوبات على من يخطط للانقلاب على النظام، أيضاً على من يتخابر مع جهات خارجية بما يمس الأمن القومي الداخلي للبلد، كما كان هناك طلب بالتسامح –عبر تخفيض العقوبات- مع من يمتد بصور تعاون وتواصل مع منظمات خارجية وحتى كيانات يتضح بأنها تريد شراً بالدولة.
هذا مثال واحد من عدة أمثلة لقوانين سعت فيها الوفاق لأجل تخفيض العقوبات وعدم تغليظها، مع العلم أن مثل هذه القوانين في بعض الدول بالأخص المعنية بجرائم العمالة والتجسس والتخابر الأجنبي والتخطيط للانقلاب أمور تفرض عقوبات مثل السجن مدى الحياة وفي بعض الدول تندرج في إطار «الخيانة العظمى» التي تستدعي حتى الإعدام بحسب القانون المتبع.
اليوم حينما تسن قوانين تضبط عملية اتصال الجمعيات السياسية بالأحزاب الخارجية أو التنظيمات السياسية في الخارج، فإن المسألة تأتي بديهياً بناء على معطيات وشواهد برزت بقوة بعد محاولة إسقاط النظام في فبراير 2011 من سعي محموم لتواصل بعض الجمعيات مع جهات خارجية بهدف تشويه صورة البحرين أو دعوتها للتدخل وفرض الضغوط.
القانون لا يحرم وجود صور تعاون واتصال ولكن وفق ضوابط معينة، وهو قانون متوائم مع قوانين عالمية عديدة وضعتها الدول بهدف ضبط الحراك السياسي ومنع محاولات التخطيط لزعزعة أمن واستقرار المجتمع.
اليوم هناك من يتواصل مع تنظيمات في الخارج تصنف دولياً على أنها تنظيمات إرهابية، وهناك من يتواصل مع جهات مشبوهة، وأخرى عملت على المساعدة في تشويه صورة البحرين خارجياً، وبعضها مرتبط مالياً وتمويلياً بجهات محسوبة على أنظمة لها أطماعها في البحرين، وعليه من حق الدولة أن تسن القوانين التي تحمي سيادتها وتمنع أية محاولات على هذه الشاكلة.
سيصرخ اليوم من يسوءه ذلك، ومن سيعتبر المسألة تقييداً لتحركاته، لا لأنه يستفيد من حراكه وعلاقاته الخارجية في تعزيز المكاسب التي حققتها البحرين وبيانها واستعراضها أو لغرض خدمة وطنه، بل لأنه يستفيد منها في تشويه صورة البحرين وصناعة لوبيات تحريضية أو جبهات هجوم على البلد.
ارجعوا لمقترح الوفاق داخل مجلس النواب، اربطوه بحراكهم على المستوى الخارجي خلال الأزمة، واستمعوا للصراخ والانتقاد الحالي على الساحة، لتعرفوا كيف أن الأمور كانت مرتبة ومبنية على حسابات دقيقة، بحيث يتم تهيئة القوانين لتكون حامية لمن يريد حتى التخابر مع الخارج للانقلاب على الدولة.