لنتساءل من وحي واقعنا: كم من الأشخاص الموجودين لدينا يصنفون في خانة «الأذكياء» والكفاءات التي يمكنها إحداث فارق نوعي في العمل؟! في المقابل كم من الذين يصنفون في خانة «عديمي الفائدة» أو محدودي القدرات وأصحاب النظرة الضيقة التي لا تزيد الطين إلا بلة؟!



أحد الفلاسفة الإنجليز قال يوماً: «الذكاء هو أن تجعل الأذكياء يعملون لديك»، في إسقاط على عقلية المسؤولين الناجحين في إدارة أعمالهم والساعين للتطوير من خلال أدوات العمل (الأفراد) المناسبين في المواقع المختلفة لضمان أعلى مستوى من مستويات الجودة والإنتاجية والابتكار.
سأحور جملة الفيلسوف في إسقاط معني بواقعنا لأقول أيضاً بأن «الدهاء هو أن تجعل الأذكياء يعلمون عندك» في مقابل أن «الغباء أن تجعل الأغبياء وعديمي النفع يعملون عندك».
في أي نهوض في أي مجال وفي أي زمن ولدى أي حضارة ما في زمننا الحاضر أو الماضي، نجد دائماً أن الأدوات التي تحقق النجاح دائماً ما تكون من نخبة المجتمع في التفكير والتخطيط والإنتاجية وغيرها، بمعنى أنه حتى ننجح علينا الاستناد والاعتماد دائماً على الناجحين، وإن أردت أن تجعل منظومة ما تسقط وتفشل فقط كدس فيها الفاشلين أو أصحاب الفكر الضيق أو المحدود.
لنتساءل من وحي واقعنا: كم من الأشخاص الموجودين لدينا يصنفون في خانة «الأذكياء» والكفاءات التي يمكنها إحداث فارق نوعي في العمل؟! طبعاً بناء على وقائع وليست آراء شخصية. في المقابل كم من الذين يصنفون في خانة «عديمي الفائدة» أو محدودي القدرات وأصحاب النظرة الضيقة التي لا تزيد الطين إلا بلة؟! أيضاً بناء على وقائع.
المراقبون عن كثب للحراك المؤسساتي يمكنهم تحديد ذلك، سواء بإسناد «الكفاءات» بما حققوه من منجزات وتطوير للعمل، وبين ما يتحقق من فشل ونكسات وتدهور لمخرجات العمل بالنسبة لـ»العاهات»، ولن نضرب أمثلة هنا لحسن الحظ إدراكاً بأن الناس باتت تعرف الفارق.
أنا دائماً مع سياسة التغيير، شريطة أن يكون تغييراً للأفضل وأن يكون إحلال الأشخاص مبنياً على أسس صحيحة ومستنداً على معطيات واضحة، ما يبشر بأن الدم الجديد سيعمل بشكل أفضل من الدم القديم، وأنه حالما يحصل التغيير فإنه بالضرورة سنجد بوادر أمور إيجابية ملموسة على أرض الواقع.
ما أتمناه حصول ثورة إدارية صحيحة تعتمد على تغيير الصالح بالطالح، وإبدال عديمي الفائدة من «عاهات» بـ»الكفاءات» وأصحاب القدرات الذين يمكن التعويل عليهم لتقديم أفكار تطويرية واستراتيجيات يكون محورها الأول خدمة الوطن لا تلميع مسؤولين أو زيادة الأخطاء ولا الاستماتة على البروز الإعلامي بأخبار وإنجازات فقط على الورق ليقال بأن ولاية فلان أو فترة علان «زمن ذهبي» إنه صاحب البركة في التطوير.
لماذا لا نفكر بجدية في مسح «الغباء» و»الدهاء» عبر وقف صناعة التكتلات واللوبيات المبنية على ولاءات وانتماءات لشخوص في مواقع العمل تأتي على حساب الكفاءات وأصحاب القدرات الذين إما يبعدون أو يبتعدون رغم إرادتهم لرداءة الأجواء؟! لماذا لا نبدل «الدهاء» هنا بـ»الذكاء» في جعل «الأذكياء» هم من يرفعون راية التطوير؟!
حين يعين «فاشلاً» في القدرات والكفاءة والتخصص فقط على اعتبارات أغلبها مبنية على واسطات ومحسوبية، تجد الأخير يستقطب معه زمرة من عديمي الفائدة (وافق شن طبقه) للعمل لديه وتنفيذ خططه واستراتيجياته، وهذا ما أسميه بـ»الغباء»، حينما تضع مصير استراتيجيات وأسلوب عمل في أي قطاع بأيدي أناس لا يمتون للكفاءة بصلة ووصلوا لهذه المواقع بأسلوب غير علمي وغير منطقي وغير مهني!
أما ما سأسميه «دهاء»، فهو استقطاب المسؤول لمجموعة من «الأذكياء» وذوي الكفاءة والقدرات الإبداعية للعمل على تلميع صورته وتنفيذ خططه وأوامره وأفكاره دون مناقشة من أحد، وفي ظل وجود أخطاء يرتكبها هو وغير مقبول الاعتراض عليها، فإن هذا هو «الدهاء» عبر الصعود على أكتاف الآخرين، وكم من مسؤول لدينا يفعلها بحيث يسطع نجمه هو بينما من يصنع الإنجاز طاقات مهمشة ومغيبة؟!
لكن «الذكاء» يكون حينما يكون المسؤول «ذكياً» يستقطب نفس فئته من الأذكياء ويتعامل معهم على أنهم أدوات ثمينة بإمكانها تحقيق المعجزات لو منحت أريحية في العمل ومساحة واسعة من المشاركة في صناعة القرار وأن يكون هدفها خدمة الصالح العام، فإن هذا يكون حينها «ذكاء» من المسؤول نفسه، ويستحق على إثره رفع القبعة احتراماً وتقديراً.
لكم أن تبحثوا الآن وتعرفوا نوعية المسؤولين ونوعية الموظفين لديهم عبر تحديد المؤشرات واكتشاف الدلائل، وأخشى ما أخشاه أن تكون نسبة «الذكاء» مقارنة بـ»الدهاء» و»الغباء» لا تتجاوز صفراً على الشمال