«ما أحوج أوطاننا اليوم في هذه العواصف الطائفية إلى رجال وطنيين يحملون فكر الدولة المدنية ويدعون إلى المساواة بين أبناء الوطن بمختلف طوائفهم»، هذا الكلام الجميل تغريدة نشرها أحدهم على التويتر، الأكيد أنها لقيت ارتياحاً لدى الكثيرين الذين يؤيدون ما يدعو إليه ويقرون بأهميته.
لكن أموراً ينبغي توضيحها هنا كي لا تختلط وتضيع المفاهيم والحقائق وسط الزحام؛ أولها أن القول إن «أوطاننا في حاجة إلى رجال وطنيين» لا يعني أن الذين يمسكون بالمسؤوليات اليوم هم غير وطنيين أو أنه لا يرجى منهم الخير، لأنه ببساطة لولا أنهم وطنيون وفيهم خير لساءت الأحوال إلى الحد الذي دخلت فيه أوطاننا، العربية والإسلامية، في قتال مرير لا ينتهي إلا بانتهائنا جميعاً.
وثانيها أن الدعوة إلى المساواة لا تعني أن المساواة غائبة، وإن كان يشوبها ما يشوبها، فدولة العدل والمساواة في خاتمة المطاف هي دولة مثالية ربما يصعب على بني البشر تحقيقها إلا في الحالات الخارقة. وثالثها أن وجود الطوائف في أي وطن لا يعني انتفاء المساواة والعدالة، فهذه الأمور نسبية وتخضع في كل الأحوال للتقدير. أما رابع الأمور التي ينبغي التنبيه إليها فهي أن الرجال الوطنيين الذين يحملون فكر الدولة المدنية ويدعون إلى المساواة والعدالة ليس بالضرورة أن يكونوا من «المعارضة» حيث الحكومات أيضاً بها من هؤلاء الرجال الكثير.
كل ما سبق يؤكد حقيقتين؛ الأولى أن أوطاننا تتعرض اليوم لعواصف طائفية تهدد وجودها واستقرارها، والثانية أن التعامل مع هذا الأمر بسلبية يعجل بفناء الدول، وبالتالي ينبغي عليها العمـــل وتوظيــــف كـــل مــــا تمتلكــه من قدرات بشرية ومادية لمواجهة هــذه العــواصــــف وحمايـة أبنائها من مخــاطر الطــائفيــة التي تفوق السرطان خطورة.
اليوم، تقف الجهات المـــــذهبيـــة على اختـلافها واتساعها وتعمـــل بطــريقـة تدفـع إلــى تخنــدق كــل فئــة داخـــل طائفتها، بـدل أن يحـــدث العكـــس، وهو الانصهار في بــوتقــة الــوطنيـة والذي هو الأمر الطبيعي (هذه وجهة نظر أحد السياسيين العقلاء). بالتأكيد ما أوصل البلاد العربية إلى هذه الحال أسباب كثيرة، والأكيد أن الخروج من هذه الحال ليست سهلة يسيرة، والحلول المطروحة كلها نظرية وغير واقعية لأن كل من له علاقة يريد أن يكون هو المنتصر أو الأقل خسارة. هذا يعني أن الحال التي صرنا فيها ستطول ويعني أن علينا أن نكيف أنفسنا مع هذا الذي يحدث وصار صعباً تغييره.
لهذا كان من الطبيعي أن يكتب كل من أراد أن يكتب عموميات يقلل فيها من شأن الآخرين وإن لم يكن يقصد. هذا يكتب أن الوطنيين وحدهم الذين يمكن أن نعتمد عليهم، لكنه لا يقصد أن الآخرين غير وطنيين، وهو إن قصد لا يهدف إلى إلغاء الآخر وإن كان قد فعل بما قال أو كتب شيئا من ذلك! في السياق نفسه يكتب أحدهم أن مثل هذه الأحوال تحتاج إلى همة الشرفاء، لكنه لا يقصد بالضرورة أن الآخرين غير شرفاء، وهو إن قصد ذلك سيأتي وراءه من يبرر له ويهاجم منتقديه إن اضطر إلى ذلك!
الجميع إذاً يعيش حالة هستيريا ويمارس أفعالاً ويقول أقوالاً لا يمكن أن توصل إلى ما يعين على الخروج من هذه الحالة، بل على العكس كل ما يتم ممارسته من قبل الجميع وكل ما يقال ويكتب قد يساعد على الغرق لأنه كله في مجمله يضيف إلى مقدار الحديد الذي تكبلت به أرجلنا لأسباب نحن جزء منها ولأخرى فرضت علينا من قوى الشر التي لا تريد لهذه الأمة الخير.
إنها مجرد إشارات وأمثلة أرجو ألا تضيع وسط الزحام.