مباشرة بعد إصدار وزارة الداخلية بياناً تحذر فيه المواطنين من (الاستجابة للدعوات التحريضية التي يتم تداولها عبر بعض الفعاليات السياسية ووسائل التواصل الاجتماعي تحت مسمى «تمرد 14 أغسطس» والهادفة إلى ما تسميه «إسقاط النظام وتحقيق الإرادة الشعبية في تقرير المصير»)، وتشرح فيه جوانب من القانون، وتبين ما يترتب على تجاوز القانون من عقوبات كي تطمئن المواطنين والمقيمين الذين شعروا أنهم أمام مشكلات جديدة تعطل حياتهم وتؤثر سلباً على مستقبلهم، مباشرة بعد هذا البيان المختصر والمسؤول أصدرت ما تطلق على نفسها اسم «القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة» والمؤلفة من خمس جمعيات سياسية تتقدمها الوفاق، أصدرت بياناً جاء فيه أنها أكدت «على حق المواطنين في التظاهر السلمي وحريتهم في الرأي والتعبير وتسيير التظاهرات والمسيرات وتنظيم الاعتصامات الجماهيرية، وهي حقوق أكدها الدستور وكافة المواثيق والأعراف الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، التي تنص على حرية التجمع السلمي والتظاهر والاعتصام والإضراب، باعتبارها جزءاً أساسياً من منظومة الشرعية الدولية لحقوق الإنسان»، وهو كلام كما هو واضح لا يغيب عنه الحق ولا يختلف عليه اثنان.. ولكنه ليس الموضوع!
بيان الداخلية لم ينف ما جاء في الدستور والقانون من حقوق فيما يخص حرية التعبير بأنواعه؛ بل على العكس أكدها، ولكنه حذر من الاستجابة إلى دعوات التحريض الهادفة إلى تعطيل الحياة وإحداث الفوضى والتخريب والإساءة إلى الوطن.
بيان الداخلية تكون من أربعة أجزاء؛ الأول اهتم بذكر خبر الفعالية والهدف منها، والثاني حذر من المشاركة في مثل هذه الفعاليات لضررها الواضح على المجتمع والوطن، والثالث أعطى أمثلة من قانون العقوبات وما يترتب على المشاركة في مثل هذه الفعاليات التي تستغل مناخ الحريات لتحقيق مآرب خاصة، والرابع أسدى من خلاله النصيحة ودعا إلى التسامح وتأكيد الحقوق التي ينص عليها الدستور والابتعاد عن العنف.
المثير أن «القوى الوطنية» فهمت من البيان أن الداخلية تريد أن تستغل الموضوع لشن حملات اعتقال و»التغول في الدولة الأمنية»، فسارعت إلى تحميل النظام مسؤولية استمرار التوتر الأمني وحذرت من حملات اعتقال ضد المواطنين.
لكن الأكثر إثارة هو أن هذه «القوى» لم تنس التأكيد على التزامها بالسلمية، ما يعني أنها لم تقرأ جيداً الدعوة إلى التمرد وما يريده من يقف وراءها، والذين قالوا بكل وضوح إن يوم 14 أغسطس سيكون انفجاراً بحجم انفجار 14 فبراير، وأنه سيكون فيه نهاية النظام وحكم الفرد (حسب تعبيرهم) ودعوا إلى تفعيل ما أسموه بالدفاع المقدس (وهو مهاجمة دوريات الأمن بزجاجات المولوتوف الحارقة).
كما يبدو أيضاً أن هذه القوى لا تقرأ التعليمات التي تتواصل منذ أيام، والتي منها على سبيل المثال، الإعلان الصادر عما سمي بمركز صوت اللؤلؤة الإعلامي الذي أكد (دعمه الكامل لجميع العمليات التي تدخل تحت مسمى «المقاومة والدفاع المقدس» التي تستهدف مصالح النظام وتقتل مرتزقته)، وأنه سيواصل «دعم المقاومة وعملياتها بكل الطرق والوسائل وسوف يسخر كل طاقاته وكوادره في دعم المقاومة وحركاتها، لما يراه من واجب شرعي وأخلاقي في الوقوف مع الحق الثوري ضد الباطل».
كان الأولى بـ»القوى الوطنية» أن تقف ضد هذه الدعوة التي ترمي إلى استمرار الفوضى وتدعو بلا تردد إلى قتل رجال الأمن، بدل أن تقف إلى جانب من أطلقها وتدافع عن توجهاته، كان الأولى بهذه «القوى» أن تستغل الفرصة فتسهم في توفير الأرضية المناسبة للتفاهم مع السلطة ووضع حد لهذا الاستهتار بحياة المواطنين.
الموضوع ليس كما جاء في بيان «قوى المعارضة» ولا علاقة له بالتضييق على الحريات و»التغول في الحل الأمني»، فمن حق المواطنين والمقيمين على الدولة أن تحميهم من استهتار المستهترين.