لقد استفحلت البدع والشبهات الدينية في مجتمعنا البحريني، وتداخلت مع السياسة في كافة تفاصيلها، وأسقطت تحليلات كل منها على الآخر، حتى حمل الجانبان ما لا طاقة لهما به. وكان ذلك مدعاة لاستغلال المنابر الدينية والمنظمات الأهلية والولاء الذي نالته كل منهما من الجمهور.
وقد تمخض ما سبق عن إشعال الفتن من أجل تحقيق أهداف ومصالح شخصية أو حزبية وإثنية على حساب «شماعة الدين»، ومن منطلق الفتاوى التي يطلقها بعض المنتمين لتلك المنظمات والأحزاب من دون أدنى درجة من المسؤولية وحمل الأمانة الدينية وتبليغ الرسالة على النحو الصحيح.
لقد أصبح كل مسلم منتمٍ لمنظمة دينية صاحب فتوى تحت عنوان «مجتهد»، وكل خريج بكالوريوس دراسات إسلامية أو شريعة «مفتي»، ما أسهم في تمييع الفتاوى والتشكيك في مصداقيتها، كما أصبحت الدعوات المتكررة للتحريض على الإرهاب «جهاداً» يأمر به الدين، من دون تمييز لمفهوم الجهاد وتفصيلاته.
يدعو ما سبق لضرورة البحث في موضوع الفتاوى بجدية عالية، وأخذ جميع الأطياف الدينية على اختلافها بالاعتبار، بصفة أن كل طيف منها، مكون من مكونات المجتمع البحريني، بما في ذلك المنتمون للأديان السماوية الأخرى غير الإسلام. فإن قامت بعض الاحتجاجات والتمردات الأخيرة من قبل المسلمين على اختلاف تحزباتهم، قد لا نأمن يوماً، ما قد تتمخض عنه توجيهات دينية لبقية المتدينين من الديانات الأخرى.
من هذا المنطلق تأتي الدعوة للاستفادة من التجربة العمانية بشأن تسمية الوزارة المختصة بهذا الشأن، واستبدال «الشؤون الإسلامية» في اسم الوزارة الحالي «وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف»، ونطاق اختصاصها بمستوى أعلى من الشمولية نزوعاً إلى «الشؤون الدينية»، وبالتالي تعنى هذه الوزارة بجميع الأديان السماوية في البحرين على اختلافها. وليس في ذلك ارتداد عن الدين أو تأييد لبقية الأديان، بقدر ما هو تحقيق لما جاء في دستور مملكة البحرين بشأن العدالة والمساواة، وباعتقادي فإن بقية المنتمين لديانات أخرى من المواطنين، لا بد أن يحصلوا على ما للمسلمين من حقوق في رعاية دور العبادة والاهتمام بشؤون الدين ورعايته.
ولكي نأمن ما يتعرض له كافة المواطنين وخاصة المسلمين من تشتت فيما يتعلق بالفتاوى والتي قد تختلف من «رجل دين» لآخر حسب انتماءاتهم، كان لزاماً تخصيص مجمع فقهي على مستوى أعلى مما هـــو واقع. بل تخصيص مجامع فقهية متعددة تراعي كل منها خصوصية الدين والمذهب، ويأتي ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- باعتماد مجمع فقهي للمذهب السني بأئمته الأربعة، واعتماداً على النصوص الدينية المنبثقة من القرآن الكريم والسنة النبوية، والرجوع لأمهات الكتب الإسلامية، قبل التحزبات والتخندقات وما أفرزته من فرقة ونزاع في الوحدة الإسلامية السنية، والأمر نفسه ينطبق على المذهب الشيعي، وكذلك بالنسبة للمسيحية واليهودية وغيرها.
ومن أجل تفعيل دور تلك المجامع الفقهية إزاء الفتاوى المنفلتة، يمكن تجريم الفتوى على المنابر وفي دور العبادة على اختلافها، أما المنتمون لأحزابهم الدينية الخاصة والراغبون في مزيد من التخندق، فلا ضير أن يأخذوا فتواهم من مراجعهم و»رجال الدين» خاصتهم في مقار ودور منظماتهم الأهلية، بعيداً عن الحياة العامة، إلى جانب أن حدود ما يمكن قبوله من فتاواهم تأتي في شؤون الممارسات والعبادات الخاصة نحو الصلاة والزكاة والصوم وفقه العلاقة الزوجية وغيره من خصوصيات، أما إذا امتدت للممارسات السلوكية العامة أوقاربت أمن البلاد في شيء فإنها تخضع لمبدأ التجريم المقترح سلفاً، ويأتي ذلك انطلاقاً من مبدأ حرية الأديان الذي اقتضاه الدستور ورعايته، ولكن.. بما لا يتعارض مع الثوابت الوطنية وأمن الدولة. وكذلك بالنسبة للشيعة، والذين قد يأخذون بآراء بعض المراجع الدينية من خارج البلاد، فإن الدولة تكفل بعض الممارسات الدينية وتقبلها ما لم تتعدَ على حرية الغير أو أمن الوطن.
ويتطلب هذا، توطيد العلاقة بين المجامع الفقهية على اختلافها مع المواطنين والمقيمين على السواء، وذلك عبر وسائل كثيرة، منها ضرورة تخصيص خط ساخن موزع على عدد من خطوط الهاتف ويعمل على مدار الساعة لتقديم الفتاوى العادية، وذلك عبر تعيين «علماء» في الدين، بنظام النوبات لتلقي الاتصالات والرد عليها، إلى جانب تخصيص حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة للتواصل المباشر مع الجمهور، كما يمكن استقبال الرسائل الإلكترونية والخطية لبعض الفتاوى الخاصة أوالأمور التفصيلية، ولا ضير من إتاحة الفرصة للقاءات الشخصية مع «علماء» الدين بما يكفل خصوصية السائل ومناقشة بعض القضايا الفقهية الشائكة في حال لزم الأمر ذلك.
ولا بد أن يقوم اختيار «علماء» الدين، العاملين في المجامع الفقهية وفق معايير معينة، بحيث يشترط أن يكون من حملة الشهادات العليا مثلاً، لمزيد من الفهم والعلم والتبحر في أمور الدين وتفصيلاته، وأن يكون متجرداً من الأهواء والنزعات الأيديولوجية لأي حزب من الأحزاب الدينية -داخل إطار المذهب- على حساب الآخر، وغيرها.
ومن هنا، تمتد الدعوة لوزارة الإعلام وجميع المؤسسات الإعلامية الخاصة لضرورة مراعاة ضوابط اختيار «رجال الدين» لإجراء المقابلات التلفزيونية والإذاعية والصحافية على السواء، لما يحمله الإعلام من أمانة التبليغ، ويمكن من أجل ذلك توثيق الصلة بين إدارة المجامع الفقهية المقترحة في وزارة «الشؤون الدينية» وبين وزارة الإعلام، والاستفادة من كوادر الأولى في تنفيذ البرامج الإعلامية الدينية أو الاستضافة فيها.
بهذا.. يفترض بالدولة أنها تمكنت من ترسيخ التعاليم الإسلامية الصحيحة؛ لكي لا تقوم على مجتمع إسلامي مشوه، فضلاً عن اكتساب ولاء مواطنيها بدلاً من التلاعب بثقافتهم ودينهم وأهوائهم من قبل بعض الأحزاب كل على هواه. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه المقالات إنما تقدم بعض المقترحات والأفكار، ويبقى للدولة الحكم والفصل في الأمر، كما يبقى لها تحديد الآليات وفق ما تتمخض عنه دراستها للمشروعات المقترحة إذا ما تم الأخذ بها. وكلنا ثقة بأن ما يخدم الوطن ويحفظ الأمن الوطني بالمقام الأول هو محل عناية كريمة من قبل قادة البلاد، وفقهم الله وأعانهم على تحقيق مصلحة المواطن وحفظ الأمن في المملكة.
وقد تمخض ما سبق عن إشعال الفتن من أجل تحقيق أهداف ومصالح شخصية أو حزبية وإثنية على حساب «شماعة الدين»، ومن منطلق الفتاوى التي يطلقها بعض المنتمين لتلك المنظمات والأحزاب من دون أدنى درجة من المسؤولية وحمل الأمانة الدينية وتبليغ الرسالة على النحو الصحيح.
لقد أصبح كل مسلم منتمٍ لمنظمة دينية صاحب فتوى تحت عنوان «مجتهد»، وكل خريج بكالوريوس دراسات إسلامية أو شريعة «مفتي»، ما أسهم في تمييع الفتاوى والتشكيك في مصداقيتها، كما أصبحت الدعوات المتكررة للتحريض على الإرهاب «جهاداً» يأمر به الدين، من دون تمييز لمفهوم الجهاد وتفصيلاته.
يدعو ما سبق لضرورة البحث في موضوع الفتاوى بجدية عالية، وأخذ جميع الأطياف الدينية على اختلافها بالاعتبار، بصفة أن كل طيف منها، مكون من مكونات المجتمع البحريني، بما في ذلك المنتمون للأديان السماوية الأخرى غير الإسلام. فإن قامت بعض الاحتجاجات والتمردات الأخيرة من قبل المسلمين على اختلاف تحزباتهم، قد لا نأمن يوماً، ما قد تتمخض عنه توجيهات دينية لبقية المتدينين من الديانات الأخرى.
من هذا المنطلق تأتي الدعوة للاستفادة من التجربة العمانية بشأن تسمية الوزارة المختصة بهذا الشأن، واستبدال «الشؤون الإسلامية» في اسم الوزارة الحالي «وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف»، ونطاق اختصاصها بمستوى أعلى من الشمولية نزوعاً إلى «الشؤون الدينية»، وبالتالي تعنى هذه الوزارة بجميع الأديان السماوية في البحرين على اختلافها. وليس في ذلك ارتداد عن الدين أو تأييد لبقية الأديان، بقدر ما هو تحقيق لما جاء في دستور مملكة البحرين بشأن العدالة والمساواة، وباعتقادي فإن بقية المنتمين لديانات أخرى من المواطنين، لا بد أن يحصلوا على ما للمسلمين من حقوق في رعاية دور العبادة والاهتمام بشؤون الدين ورعايته.
ولكي نأمن ما يتعرض له كافة المواطنين وخاصة المسلمين من تشتت فيما يتعلق بالفتاوى والتي قد تختلف من «رجل دين» لآخر حسب انتماءاتهم، كان لزاماً تخصيص مجمع فقهي على مستوى أعلى مما هـــو واقع. بل تخصيص مجامع فقهية متعددة تراعي كل منها خصوصية الدين والمذهب، ويأتي ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- باعتماد مجمع فقهي للمذهب السني بأئمته الأربعة، واعتماداً على النصوص الدينية المنبثقة من القرآن الكريم والسنة النبوية، والرجوع لأمهات الكتب الإسلامية، قبل التحزبات والتخندقات وما أفرزته من فرقة ونزاع في الوحدة الإسلامية السنية، والأمر نفسه ينطبق على المذهب الشيعي، وكذلك بالنسبة للمسيحية واليهودية وغيرها.
ومن أجل تفعيل دور تلك المجامع الفقهية إزاء الفتاوى المنفلتة، يمكن تجريم الفتوى على المنابر وفي دور العبادة على اختلافها، أما المنتمون لأحزابهم الدينية الخاصة والراغبون في مزيد من التخندق، فلا ضير أن يأخذوا فتواهم من مراجعهم و»رجال الدين» خاصتهم في مقار ودور منظماتهم الأهلية، بعيداً عن الحياة العامة، إلى جانب أن حدود ما يمكن قبوله من فتاواهم تأتي في شؤون الممارسات والعبادات الخاصة نحو الصلاة والزكاة والصوم وفقه العلاقة الزوجية وغيره من خصوصيات، أما إذا امتدت للممارسات السلوكية العامة أوقاربت أمن البلاد في شيء فإنها تخضع لمبدأ التجريم المقترح سلفاً، ويأتي ذلك انطلاقاً من مبدأ حرية الأديان الذي اقتضاه الدستور ورعايته، ولكن.. بما لا يتعارض مع الثوابت الوطنية وأمن الدولة. وكذلك بالنسبة للشيعة، والذين قد يأخذون بآراء بعض المراجع الدينية من خارج البلاد، فإن الدولة تكفل بعض الممارسات الدينية وتقبلها ما لم تتعدَ على حرية الغير أو أمن الوطن.
ويتطلب هذا، توطيد العلاقة بين المجامع الفقهية على اختلافها مع المواطنين والمقيمين على السواء، وذلك عبر وسائل كثيرة، منها ضرورة تخصيص خط ساخن موزع على عدد من خطوط الهاتف ويعمل على مدار الساعة لتقديم الفتاوى العادية، وذلك عبر تعيين «علماء» في الدين، بنظام النوبات لتلقي الاتصالات والرد عليها، إلى جانب تخصيص حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة للتواصل المباشر مع الجمهور، كما يمكن استقبال الرسائل الإلكترونية والخطية لبعض الفتاوى الخاصة أوالأمور التفصيلية، ولا ضير من إتاحة الفرصة للقاءات الشخصية مع «علماء» الدين بما يكفل خصوصية السائل ومناقشة بعض القضايا الفقهية الشائكة في حال لزم الأمر ذلك.
ولا بد أن يقوم اختيار «علماء» الدين، العاملين في المجامع الفقهية وفق معايير معينة، بحيث يشترط أن يكون من حملة الشهادات العليا مثلاً، لمزيد من الفهم والعلم والتبحر في أمور الدين وتفصيلاته، وأن يكون متجرداً من الأهواء والنزعات الأيديولوجية لأي حزب من الأحزاب الدينية -داخل إطار المذهب- على حساب الآخر، وغيرها.
ومن هنا، تمتد الدعوة لوزارة الإعلام وجميع المؤسسات الإعلامية الخاصة لضرورة مراعاة ضوابط اختيار «رجال الدين» لإجراء المقابلات التلفزيونية والإذاعية والصحافية على السواء، لما يحمله الإعلام من أمانة التبليغ، ويمكن من أجل ذلك توثيق الصلة بين إدارة المجامع الفقهية المقترحة في وزارة «الشؤون الدينية» وبين وزارة الإعلام، والاستفادة من كوادر الأولى في تنفيذ البرامج الإعلامية الدينية أو الاستضافة فيها.
بهذا.. يفترض بالدولة أنها تمكنت من ترسيخ التعاليم الإسلامية الصحيحة؛ لكي لا تقوم على مجتمع إسلامي مشوه، فضلاً عن اكتساب ولاء مواطنيها بدلاً من التلاعب بثقافتهم ودينهم وأهوائهم من قبل بعض الأحزاب كل على هواه. كما تجدر الإشارة إلى أن هذه المقالات إنما تقدم بعض المقترحات والأفكار، ويبقى للدولة الحكم والفصل في الأمر، كما يبقى لها تحديد الآليات وفق ما تتمخض عنه دراستها للمشروعات المقترحة إذا ما تم الأخذ بها. وكلنا ثقة بأن ما يخدم الوطن ويحفظ الأمن الوطني بالمقام الأول هو محل عناية كريمة من قبل قادة البلاد، وفقهم الله وأعانهم على تحقيق مصلحة المواطن وحفظ الأمن في المملكة.