حكم الإخوان في تونس يتداعى، وأوضاع التونسيين الاقتصادية في غاية السوء، والسقوط المحتوم حكماً قريب، فالقضية على ما يبدو قضية وقت. وبعد سقوط إخوان مصر يتطلع «الغزاويون» إلى اليوم الذي فيه يتخلصون من الحمساويين بعد أن ذاقوا منهم الأمرين، والأزمات التي تتوالى عليهم، فضلاً عن فسادٍ مستشرٍ يتحكم بمفاصل حكومة حماس أينما يممت واتجهت في غزة.
جرب التونسيون والغزاويون وقبلهم المصريون هذه الحركات المتأسلمة التي كانت تعدهم بالمن والسلوى، وأنهم سيحققون للإنسان من الرفاه والنعيم، ما لم تحققه الحركات الوطنية، أما السبب - كما يقول خطابهم السياسي - فلأن الإخوان يحكمون شرع الله، والآخرون علمانيون، والعلمانية هي سبب الفشل وليس ثمة سبب آخر، وضع نقطة في نهاية السطر، هكذا ببساطة مغرقة في السذاجة!
ولأن التجربة كما يقولون خير برهان، والبحر يختبر الغطاس، ظهر أن الإخوان ليسوا منافقين وأفاقين وفاسدين مالياً وأخلاقياً فحسب، وإنما أجهل خلق الله في تكتيك السياسة، ناهيك عن الاقتصاد، اللتين هما ركيزتا نجاح وفشل تجارب الأنظمة السياسية المعاصرة، فقد تبين بعد التجربة أنهم بالفعل أجهل من أن يديروا «كشك سجاير» كما كان يقول الرئيس مبارك، وليس ثمة إلا ظاهرة صوتية لا أكثر، والخطب العصماء لا تطعم جائعاً ولا تعالج مريضاً.
الإخوان التونسيون ربما أنهم أذكى قليلاً وأقل جشعاً وطمعاً وأكثر مهارة سياسية من إخوان مصر، فأعطوا لغير المتأسلمين «الضعفاء سياسياً» جزءاً من الرغيف، واحتفظوا هم بالجزء الأكبر منه. غير أن النتيجة على ما يبدو ستكون هي ذات النتيجة التي انتهى إليها إخوان مصر. فكل المؤشرات تقول إن التونسيين سيسعون إلى إسقاط حكومة الائتلاف التونسي الحاكم بقيادة إخوان تونس، فالاحتقان السياسي نتيجة للأوضاع الاقتصادية والأمنية المتردية، والتي تتفاقم مع مرور الوقت، تؤكد أن سقوط الائتلاف مسألة وقت لا أكثر، وسقوطهم يعني أنهم لن يعودوا إلى الحكم على الأقل في القريب المنظور، فالتجربة كانت فاشلة بوضوح.
حماس حركة إخوانية، ترفع شعار الجهاد، وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وبناء على هذا الطرح السياسي فازت في الانتخابات. غير أن الإنسان الفلسطيني سرعان ما اكتشف أن هذه الشعارات البراقة لم تكن سوى مطية امتطوها للوصول إلى السلطة، ثم تحول هؤلاء المتأسلمون إلى سلطة محض قمعية، تسحق كل من اختلف معها بالحديد والنار وزوار الفجر تماماً مثلما كان يفعل القوميون العرب عندما تولوا السلطة، ولا تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم ضد كل من نازعها السلطة، إضافة إلى الفساد في مفاصل الحكومة الحمساوية، وكذلك الثراء الفاحش الذي يعيش فيه أعضاؤها، فقد حولوا الأنفاق المنتشرة على طول الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع وسيناء إلى وسيلة فساد وإثراء، فمن خلال هذه الأنفاق تمر كل الممنوعات بمختلف أنواعها إلى داخل غزة، وطالما التزم المهربون بدفع «تطييبة خاطر» لأحد أساطين هذه الحركة المتأسلمة المتنفذين، فسوف يمر كل شيء، ابتداء من منتجات البترول، والخمور، ونهاية بالمخدرات.
حماس اليوم، بعد زلزال سقوط «إخوان مصر» المدوي، بدأت ارتدادات هذا الزلزال تصل إليهم، فالسلطة الحاكمة في مصر وجدت أن القضاء على من يسمون بالجهاديين في سيناء، يعني أن «تفصل» غزة عن سيناء فصلاً محكماً، فحماس هي داعم الجهاديين الإخوان الأول بكل وسائل البقاء والمقاومة، لذلك سعى الجيش المصري الذي يتولى مهمة تطهير سيناء من عصابات الإخوان إلى إغلاق معبر رفح، وقصر فتحه على الضرورة القصوى، ولأسباب إنسانية فقط، إضافة إلى تدمير الأنفاق بين غزة وسيناء - «أكثر من 1200 نفق» - هذه الأنفاق تمثل بالنسبة لسلطة حماس، فضلاً عن أهل غزة، شريان الحياة الوحيد المتصل بالعالم. وكل يوم يمر يشعر الحمساويون ومعهم أهل غزة بالاختناق أكثر، فقد ارتفعت الأسعار داخل غزة إلى مستويات قياسية، وكل المؤشرات تقول إن حماس ستضطر تحت هذه الضغوط إلى رفع الراية البيضاء في النهاية، مسجلة فشلاً آخر للإخوان بعد فشلهم الذريع في مصر، كما أن الحمساويين سيسقطون قطعاً لو أجريت انتخابات جديدة، فقد اتضح للإنسان الغزاوي مثل ما اتضح للإنسان المصري، أن تحكيم الشريعة كان مجرد مطية لهؤلاء المتأسلمين كي يصلوا إلى السلطة، وعندما وصلوا إلى الحكم لم يطبق من الشريعة إلا مظاهرها وليس جوهرها.
يقال إن الأديب المصري الشهير نجيب محفوظ سئل ذات مرة: ما هي أفضل الطرق للقضاء على الانتهازيين المتأسلمين؟.. أجاب بثلاث كلمات فقط مؤداها: «أن يتولوا السلطة». وهذا ما اتضح بالفعل أنه الحل.
* نقلاً عن صحيفة «الجزيرة» السعودية