بداية نعزي عائلة الطفل المرحوم راشد فاضل جعفر على مصابهم الجلل بسبب الإهمال الذي حصل بنسيانه في حافلة الروضة، ونسأل الله أن يتقبل راشد عنده كعصفور من عصافير الجنة، وأن يلهم أهله الصبر ويجبر ألم ذويه ومحبيه.
بشأن الحادثة تم إجراء تحقيقات وتبعتها توقيفات، ولا ندري ماذا ستؤول إليه النتيجة في النهاية؟ لكن النتيجة الحتمية أنها لن تعيد راشد إلى حضن عائلته، لن يرجع هذا الطفل الذي راح ضحية لعدم وجود إجراءات لضمان سلامة كافة الأطفال الذين يتجهون من بيوتهم إلى مدارسهم والعكس باستخدام الحافلات.
لا توجد إجراءات واضحة أو خطوات مكتوبة موثقة موقعة وفيها تعهدات تلزم المدارس أو الروضات من جانب أو سائقي الحافلات من جانب آخر بضمان إيصال جميع الطلبة والتأكد من نزولهم، أو التأكد في الجانب الآخر من تواجدهم على الكرسي الدراسي. لا أحد يقنعنا بأن هذا موجود، وإن أثبت وجوده مكتوباً، فإنه يبقى على الورق حال كثير من القوانين في هذا البلد، نحن نسأل عن التطبيق والحرص.
حينما نتحدث عن الخلل علينا أن نعود لأصل المشكلة، هل الخلل من سائق الحافلة، أم المدرسة التي تتحصل على الرسوم، أم الضوابط التي تضعها وزارة التربية حتى ترخص للحضانات والمدارس الخاصة وحتى الجامعات، أم من يمنح التراخيص لأصحاب حافلات النقل والباصات؟!
كل الأمور مرتبطة ببعضها، لكن الأساس هو المهم، فلو كانت الشروط صارمة والمتابعة موجودة والتقييم دائماً لما وجدنا أصلاً هذا الكم من الحضانات والمدارس والجامعات وكأنها «برادات» تبيع العلم، لو كان التشديد موجوداً بحيث لا يمنح أياً كان رخصة توصيل إلا بمعايير محددة لما تكررت هذه الحوادث، وهي ليست المرة الأولى!
عموماً، ما هي الحلول حتى لا تمضي الأيام ونفاجئ براشد آخر؟! والحلول هنا لا تعني محاسبة أفراد، بقدر ما هي إجراءات تتخذ عبر آليات تضمن وتتأكد من عدم تكرار حصول ذلك.
في بريطانيا، يستخدم نظام بسيط لكنه متقدم لتجنب الحوادث على مثل هذه الشاكلة. فالطلبة الذين يرتادون حافلات النقل الخاصة بالروضات أو المدارس، يمنح كل منهم «بطاقة ممغنطة» يجب أن يحملوها معهم دائماً. حينما يصعد الطفل للباص يمرر بطاقته على ماسح ضوئي، ولدى السائق شاشة تبين لديه كل طفل دخل الحافلة وفي أي وقت، وهذا النظام مرتبط بالمدرسة أو الروضة بحيث يمكنهم معرفة وقت صعود الطفل للحافلة، كذلك وقت نزوله منها لأنه يتوجب عليه تمرير بطاقته مرة أخرى، وكذلك حينما يدخل المدرسة أو يغادرها بالدقيقة والثانية.
أنقل هذه التجربة على لسان أحد المواطنين الذين درس أبناءه في روضات بريطانية خلال فترة عمله هناك، والذي أصر علي بنقل المعلومة لضرورة الاطلاع على هذه التجربة بعد حادثة الطفل راشد، وهنا نرفعها لمن تقع عليه المسؤولية سواء في وزارة التربية بشأن الروضات والمدارس أو وزارة الداخلية بشأن ترخيص الحافلات والمواصلات.
مثل هذه الأنظمة المتقدمة تكلف أموالاً وقد تكون أموالاً كبيرة، سواء أكانت ستطبق من قبل وزارة التربية على مدارس الحكومة، أو إلزام الروضات والمدارس الخاصة بضرورة استخدامها كشروط لمنح التراخيص والاستمرارية. نعم هذه الأنظمة تكلف الكثير، لكنها على الأقل تضمن سلامة أطفالنا وتمنع تكرار حوادث مؤسفة هم يكونون ضحيتها نتيجة الإهمال مثلما حصل مع راشد.
اتجاه معاكس
راشد، طفل بريء في سنواته الأولى اهتزت البحرين لحادثة وفاته، لم يقف أحد عند مذهبه وانتمائه، أصحاب «النفوس النظيفة» كلهم تفاعلوا من منطلق ألم وغضب على ما حصل وذهب ضحيته طفل له عائلة وأم وأب وشقيق توأم عايشوا حياته لحظة بلحظة واختلطت أنفاسهم بأنفاسه منذ ولادته. تفاعل مجتمعي كبير بدافع الإنسانية كان أبرزه استقبال رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان حفظه الله للعائلة المكلومة معزياً ومشاركاً إياهم الهم. بينما من ابتعد عن التفاعل هم أولئك الذين لم يجدوا في حادثة وفاة هذا الطفل أية فائدة يستغلونها وإلا لحولوه لـ«شهيد» يتاجرون بدمه ويستغلون ألم عائلته.
نقول في الدعاء للمتوفى: اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، وبحق راشد الطفل البريء نقول: حمداً لله أن أبعدت عنه «دنس الوفاق» وأعوانها، يكفي المصاب الجلل وفقده، يكفي ألم عائلته، يكفي الإهمال الذي تسبب بأن تزهق روح طاهرة نقية مازالت لا تعرف من الدنيا الكثير، لم يكن ينقص كل ذلك إلا من يأتي ليتاجر بأرواح البشر.