أولاً: نقدم التعازي «الصادقة» لأسرة الفتاتين اللتين توفيتا في حادث «كوبري السيف»، ونسأل لهما الرحمة والمغفرة وأن يصبر أهاليهما على هذا المصاب الجلل الذي هز البحرين بأسرها، آملين بأن تكون آخر أحزان هذا البلد نتيجة حوادث الطرق.
ثانياً: نشكر حرص والد الجميع الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله على تأثره البالغ لفقد فتاتين من أطباء المستقبل في هذا الوطن، وعلى متابعته اللصيقة وإصدار التوجيهات السريعة بشأن الوقوف على ملابسات الموضوع والتحقيق فيه والتوجه لمحاسبة المسؤولين وتشديد الحرص على اتخاذ كافة الأمور اللازمة لضمان سلامة المواطنين على الطرقات.
ثالثاً: مطالبات بعض النواب بلجنة تحقيق في الموضوع مسألة نتفق معها بشدة، إذ الخسارة هنا ليست أموالاً أو مرفقات عامة، بل خسارة أرواح وبشر بالتالي لا يجب أن تمر المسألة مرور الكرام، ولا يجب أن يعفى أصحاب المسؤولية منها بالقانون طبعاً، لكن ما أتمناه ألا تتحول لجنة التحقيق لمثل لجان تحقيق عديدة شكلت في السابق وطال فيها السجال حتى ضاع أصل الحكاية.
رابعاً: المطالبات باستقالة او إقالة وزير الأشغال؛ هنا نؤكد أنه لا خلاف أبداً على شخص وزير الأشغال؛ فهو إنسان محترم مجتهد ووطني، بالتالي الانتقاد للعمل والأخطاء، وباعتبار أن الوزير رأس الهرم في الوزارة المعني بها فإن المسؤولية يتحملها، فإن كان من قصور في إعداد دراسات الجدوى أو قلة اهتمام بشأن نوعية المواد المستخدمة أو فاعلية الحواجز وقوتها فإن المساءلة حق مشروع للمتضرر، وهنا المتضرر أهل الضحايا والمجتمع بأسره.
ثقافة الاستقالة ليست موجودة لدينا بمعنى اتخاذ موقف من الشخص نفسه لقناعته بأن فشلاً حصل في المكان الذي هو مسؤول عنه بالتالي عليه تحمل مسؤولية حقيقية أو أدبية بترك الموقع وتسجيل موقف، وعليه الكرة في ملعب السلطتين التشريعية والتنفيذية لاتخاذ إجراءات ومواقف، خاصة النواب الذين أشاروا في تصريحاتهم بأن ما تم وضعه «حواجز حديدية ضعيفة صرفت عليها مبالغ طائلة دون أن تحمي السيارات».
خامساً: في تحقيق نشرته صحيفتنا «الوطن» طالب مهندسو طرق بالتحقيق في مسببات الحادث مع الجهات المختصة بإنشاء الجسور والكباري وتصميم الطرق، مشترطين وجود محكمين خبراء في التدقيق حول السلامة المرورية يمتازون بالحيادية. وبحسب تشخيص المهندسين فإن هناك تساؤلات عدة تثار بشأن المادة المستخدمة في الحواجز نظراً لانقلاع الأخيرة من مكانها وعدم وجودها بالكامل بعد الارتطام، ما يعني أن هذه الحواجز ليست بناء على المعايير العالمية التي تنص على أن تكون ممتصة للصدمات.
بعد كل هذه النقاط أكثر ما يؤلم في الموضوع أن الإجراءات التي تتم والاستنفار الذي يحصل دائماً عندما تقع كارثة أو مصيبة. وللأسف حينما تزهق الأرواح نجد التصريحات من كل حدب وصوب، الجهات الحكومية المعنية تتحرك وكأنها ستصحح خطأ تدرك أنه موجود سلفاً، والنواب ينتفضون كالعادة ليهددوا ويتوعدوا، فيما يدلي كل بدلوه سواء خبيراً أو متابعاً يحلل ويفند ويشير لوجود أخطاء استراتيجية، ونحن نتساءل في لحظة هدوء للتمعن: ماذا لو لم يحصل حادث بهذه القوة وبهذه الفداحة هل كل هذه الاستكشافات ستحصل؟! هل سيظل الخطأ موجوداً حتى تحصل كارثة تكشفه لنا؟! هل دائماً نحتاج لمصيبة تذهب فيها أرواح أبرياء حتى ننتبه إلى أن ما نقوم به خطأ ولا يتوافق مع المعايير العالمية أو يضمن أعلى درجات الأمن والسلامة؟!
هذا يعيدني للمطلب الذي «بُح» أنا وغيري مطالبين به وهي إنشاء جهة أو هيئة عليا للتخطيط الاستراتيجي أعلى من الوزارات نفسها، فيها أنضج العقول والمخططين والخبراء، يضعون الخطط والاستراتيجيات، بل ويراجعون مخططات كل الجهات الحكومية لتلافي مثل هذه الأخطاء أو تجنب اتخاذ قرارات غير حصيفة.
كل خطأ يحصل في البلد لو تتمعنون فيه يعود لخلل في عملية التخطيط وعدم وجود بعد نظر، إذ من غير المعقول أن يقال بأن هذه المشاريع أو تلك خطط لها بعناية وباستعانة بخبراء كثير منهم عالميين ثم تكون النتيجة كوارث ومصائب وتأخير وفشل.
رحم الله الفتاتين وأسكنهما فسيح جناته، وبشأن ما سيحصل الآن بخصوص هذه الحادثة الأليمة من تداعيات تشمل المحاسبة وتصحيح الأوضاع «نعيش ونشوف»!