قد يظن البعض أنها عملية سهلة جداً، حين تمسك القلم لتبدأ كتابة عمود أو مقال ترصد فيه الأخطاء والسلبيات في السلطة التنفيذية أو التشريعية، وتبدأ بالتحدث بلغة «فلسفية أفلاطونية» بشأنها، وكيف أن الأفكار الإصلاحية والحلول المفصلية كلها موجودة في قمة رأسك.
الانتقاد سهل جداً؛ لكن المحك حينما تكون أنت في نفس موقع من تنتقده، هل سترتكب نفس الأخطاء؟! هل سيغيرك الكرسي؟! أم هل ستطبق كل ما تقوله وتؤمن به وفي سبيل ذلك قد تصل لأقصى درجات التضحية بكل المميزات في سبيل ما تؤمن به وتعد الناس بتحقيقه؟!
أعرف أننا ننتقد النواب بقسوة باعتبار أننا منحناهم الثقة وصوتنا لهم، وبحسب ما نراه ونرصده فهم خذلونا مرات ومرات. وأعرف أن هناك نواباً سابقين يطلقون اليوم انتقادات حادة للنواب الحاليين، في مشهد يدعونا للتساؤل عما اختلف بشأن الأداء حينما كانوا موجودين؟! هل استقالوا مثلاً حينما أدركوا استياء الشارع؟! أو لم تمرر ميزانيات وميزانيات حينما كانوا موجودين إن كانت هذه هي القضية؟! أو لم يقبلوا بالتقاعد النيابي رغم إدراكهم أن المواطن لم يتحقق له شيء؟! أقلها حتى أبرر لنفسي أخذ هذا التقاعد فلأحقق شيئاً مؤثراً للناس وتحديداً في رواتبهم.
نعم؛ التنظير سهل جداً، وبشأن ما كتبناه أمس أدرك أن كثيراً من النواب مستاؤون (رغم أننا مستاؤون منهم أضعافاً مضاعفة) وبعضهم بوده لو يقول: لماذا لا تدخل البرلمان وترينا كيف ستطبق ما تكتب؟! وأدرك أيضاً أن هذا لسان حال عديد من الناس الذين فقدوا الأمل والثقة في كثير من النواب ويريدون التغيير، بالتالي من ينتقد النواب ويقسو عليهم المفترض أن يكون بديلاً أفضل منهم.
وبناء على ذلك، ونظراً لأن العام القادم يشهد انتخابات فصل برلماني جديد، فقد راودتني الهواجس بشأن فكرة الترشح للبرلمان.
أول الأفكار لم تكن بشأن الشعارات التي سأرفعها لدغدغة مشاعر الناس، بل كانت بشأن التعهدات والالتزامات تجاه الناس. فالناخبون اليوم لن يصدقوا شعارات وردية جميلة متكررة، بقدر ما يريدون ضمانات بشأن عدم تعرضهم للخذلان وخيبة الأمل مرة أخرى.
الاشتراطات الحالية للترشح لا تلزم المترشح أن يكون ذا درجة علمية عالية، أيضاً لا تمنح الناس حقاً مكفولاً مكتوباً بسحب الثقة من النائب وعزله إن انقلب عليهم ونسيهم بعد وصوله للكرسي، بالتالي المرشح إن كانت نيته صادقة في ترشحه لخدمة الناس فما المانع من توقيعه ورقة موثقة في مقره الانتخابي مع ناخبيه يمنحهم حقاً قانونياً بمقاضاته إن خذلهم ورفض أن يستقيل. ورقة موثقة وموقعة من الطرفين يلتزم فيها بالاستقالة إن لم يحقق وعداً واحداً من وعوده التي سيستخدمها كشعارات انتخابية.
أعرف أنها فكرة جنونية لا يقوم بها شخص يصل للبرلمان ويتنعم بكل مزاياه، لكنني شخصياً لو فكرت بالترشح ستكون أول ما سأفعله، إذ لن أسمح لنفسي أبداً بخيانة ثقة الناس والكذب عليهم قبل أن أسمح لنفسي بتعديل وضعي وتأمين مستقبلي على حسابهم.
قد يضحك بعض النواب الحاليين مما نقوله، وقد يقول أحدهم: «طيب أيها المنظر، ادخل المجلس وواجه ما نواجهه وبعدها لنر كيف سيكون أداؤك مغايراً». بدوري سأرد على هذا الكلام وأنا أضحك، إذ كل ما سأستخدمه هو أسلوب «الفضيحة» والذي ستكون «الصراحة» مرادفة له. الفضيحة بمعنى فضح موقف كل نائب متخاذل يحرص على مصلحته ويقوم بتربيطات وتشبيكات مع المسؤولين بحيث يصوت ضد أي مقترح يخدم الناس. وفي جانب آخر فضح كل مسؤول في السلطة التنفيذية يحاول استمالة النواب ليقفوا في صفه. لهذا فإن مرادف أسلوب الفضيحة هي الصراحة مع الناخبين بحيث تكشف لهم كل ما يدور داخل الأروقة وفي المكاتب المغلقة ليعرفوا بالفعل من همه الأول والأخير خدمتهم ومن في المقابل يستخدم شعار خدمة الناس ليلعب عليهم.
في جانب آخر أفكر في تلك الخيام والمقار الانتخابية التي لا نراها الا وقت الانتخابات، وفكرتي أن يكون إضافة إلى مكتب النائب (وهو حالياً مكتب افتراضي مشيد في هواتفهم التي كثيراً منها مغلق أو تغير رقمه أو لا يجيب المكالمات) إضافة للمكتب يكون هناك لقاء أسبوعي مع الناخبين لاستعراض ما تحقق من جهود لتنفيذ الشعارات والوعود، والتفكير معهم (لا مع الكتل النيابية) فيما يجب طرحه من مقترحات ومشروعات، والأهم الاستماع لآرائهم وانتقاداتهم مباشرة.
يضحك نائب آخر ويقول: «طيب يا منظر، ماذا لو وضعت في موقف صعب بحيث تجبر على القبول بأمور رغماً عنك». أجيب ضاحكاً: أفعل الشيء الذي لا تجرأون على فعله، وأعني الاستقالة، فلا مبرر للبقاء والاستمرار وأنا فعلياً فشلت في تحقيق للناس ما وعدتهم به، أقلها لم أقاتل بقوة حتى آخر رمق حتى أجد مبرراً يمنعني من رفع الراية البيضاء.
أكتب كل هذا لأن ما ينشر يوثق، والتاريخ لا ينسى، وما تكتبه أقلامنا يبقى شاهداً وحجة علينا إن خالفنا القول بالأفعال، طبعاً في حالة قررنا الترشح.
هنا بدأ إبليس اللعين يوسوس ويقول: اترك هذه المثاليات واحسبها صح، راتب تقاعدي، سيارة «كشخة»، حصانة، جواز خاص، بدلات ومخصصات، سفرات إضافة للرزة والبرستيج في المناسبات. اضمن الكرسي وبعدها اترك الناس تتكلم وتصرخ حتى تتعب ويبح صوتها، فلن يزيحك شيء عن الكرسي لأربعة أعوام مضمونة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يبدو أن إبليس زار كثيراً ممن صوتنا لهم، وهذا الكثير كانوا ضحية سهلة لوسوسته إلا من رحم ربي.