قبل سنوات تزيد على العشر كتبت مقالاً عن ليبيا أطالب فيها أهل البحرين بشكل خاص والإخوة العرب بشكل عام أن يتعرفوا إلى ليبيا بعيداً عن زعيمها الأوحد، إذ من الظلم أن تنكمش ليبيا بعمقها وبعدها الحضاري والجغرافي والتاريخي بشخص فرد اختزلها قسراً فلم يذكر أحد ليبيا إلا والقذافي كان وحده طاغياً على صورتها.
غاب الإنسان الليبي وغاب الهم الليبي وغابت ملامحه إلا من تلك الصورة المتمثلة في الغريب والنوادر من أقوال الزعيم الأوحد.
اليوم، يسمع الصوت الليبي المحامي والروائي الليبي ذاك الذي يشبهنا، ونرى المرأة الليبية خارج نطاق الحراسة الشخصية للزعيم، ونقرأ ونشاهد تلك الملامح السمراء وتلك اللهجة القريبة منا وذلك البعد والعمق الإنساني للإنسان الليبي الذي غاب خلف برواز الزعيم الأوحد. يوم الاثنين الماضي صدح في المنامة في مركز الشيخ إبراهيم صوت المحامية خريجة جامعة باريس عضو الهيئة الاستشارية في مؤسسة الفكر العربي الناشطة الحقوقية والروائية عزة ابنة حي «الصريم» الليبي العريق التي تنقلت فيه بين حوش أبيها الروائي المعروف كامل المقهور إلى منزل عمتها في «فشلوم» إلى مدرسة الظهرة الابتدائية مرتدية (القرومبيول) الأسود رديف المريول البحريني والمنصتة إلى جلسات وأحاديث والدها السيد كامل المقهور في المربوعة وهي (المقلط) أو مجلس الرجال عندنا في البحرين. عزة التي أسالت لعابنا على خبز خدوجة المملح والمغموس بالزيت وشاركتنا ألعاب صبيتهم وفتياتهم في المشرق الليبي وتعرفنا من روايتها القصيرة على العديد من المصطلحات المتشابهة مع مصطلحاتنا كالكبوس والحوش، قادرة بهذا القلم الرشيق أن تقرب لنا المسافات وتقطع لنا الأميال الفاصلة بين طرابلس والبحرين.
عزة الروائية هي ذاتها التي تنقلت بين مسودات الدفوع القانونية ومسودات صياغة الدستور الليبي الجديد، جاءت للمنامة تستعرض معنا تحديات الليبيين في رحلتهم لصياغة دستورهم الجديد بعد أن عاش الليبيون لأكثر من نصف قرن بلا دستور.
عزة التي عبرت عن قلقها على المرأة بعد الثورة وجهت كناشطة حقوقية نداءً طالبت فيه «الدول والأحزاب السياسية والمجتمع المدني ببذل قصارى جهدها حتى لا يضحى مرة أخرى بكرامة النساء ومساواتهن مع الرجال، على مذبح أولويات مزعومة. لا يمكن أن تبنى أي ديمقراطية على حساب نصف المجتمع وعبر مداخلاتها الإعلامية العديدة حذرت ونبهت من تراجع الأولويات وتماهيها مع تماحيك النص الدستوري لنرى كم هي المتشابهات البحرينية الليبية، في وقت ما أحوجنا نحن الذين نجتمع في البحرين على طاولات لحوار وطني نبحث فيه عن توافقات وطنية بين أطياف المجتمع البحريني على صيغ دستورية تغيب عن حوارنا روح الدستور ونهجه القائم على نسيج توافقي تذوب فيه تلك الخصوصيات والفروقات، فلا دستور إلا بتوافق، فلم يمنع الدستور المصري من قيام الثورة ولم يمنعها الدستور التونسي، كما لم يحم ليبيا عدم وجود دستور من 1961 من قيام الثورة.
ليس بالدستور وحده يسعد الإنسان، ما أحوجنا أن نستمع إلى ما تمر به ليبيا من تحديات كبيرة ومخاض صعب يبحث فيه الليبيون عن توافقات وطنية تمنع تشظي هذا الوطن وانقسامه.
ليبيا التي تحاول الانتقال من حكم القانون إلى حكم بالقانون فتتوه في الفرق بينهما.
الليبيون منقسمون الآن على نسبة التمثيل في الهيئة التأسيسية، منقسمون على وحدة التراب الليبي وهل تبقى ليبيا موحدة أم ولايات متحدة اتحاداً فيدرالياً أم كونفدرالية؟
السلاح المنتشر في ليبيا يشكل أكبر التحديات، فالرشاشات لا يزيد ثمن الواحد منها على 500 دولار أي 190 ديناراً للرشاش الواحد، القبائل تسلحت والأفراد تسلحوا والخوف من شرارة أولى لا قدر الله.
المرأة في ليبيا يساورها القلق، فقبل قدومها للبحرين تقدمت عزة المقهور بشكوى للأمن من رسائل تهديد بالقتل وصلتها لأنها نظمت فعالية نسائية عائلية على شاطئ البحر في بنغازي للمشي ولاستخدام الدراجات الهوائية!
الليبيون يبحثون عن الأمن والأمان وطريقهم طويل جداً كمجتمع قائم على تعددية إثنية وتعددية قبلية رغم أنهم كلهم مسلمون وسنة.
إحدى صديقات عزة ليبية عاشت في البحرين لسنوات طويلة قالت لها بودي أن أرسل المحتجين في البحرين الذين يقومون بحرق وطنهم إلى ليبيا ليلتين اثنتين ليقدروا ويعرفوا قيمة ما لديهم.
هل عزة المقهور الناشطة الحقوقية ضد الإصلاح ضد الديمقراطية ضد محاربة الفساد ضد التغيير ضد التعديل ضد النمو؟! لا أبداً، إنما هي مثلنا لا تركض وراء الشعارات فحسب ولا تنخدع بمصاحف ترفع خاصة أن الليبيين والمصريين والتونسيين أبناء (الربيع العربي) كلهم دون استثناء تعلموا الدروس بعد أن صدموا برافعي المصاحف من زملاء ثورتهم!!