تعتقد الكثير من الدول الشرقية ومعها شعوبها ومذاهبها وطوائفها التي تعيش على أرضها بالاعتقاد السائد؛ أن الغرب يقف معها في محنتها بعد الربيع العربي، فالغرب استطاع أن يخدع الجميع بأنه يقف معهم في مسألة التغيير أو في قضايا بقاء الحكم، فهو يبين للحكام مدى وقوفه مع الأنظمة، ومن جهة أخرى ولمقدرته على التلوّن، استطاع أن يقنع الشعوب بأنه يريد لهم الخير والصلاح.
من الغريب جداً أن ينساق كل الشرق، شعوب وحكام خلف أوهام الغرب، بينما المسألة لا تعدو في كونها استراتيجيات منظمة وثابتة لتثبيت مصالح الغرب على ظهر الشرق.
الغرب ليس غبياً كما نتوقع، فهو يستطيع في لحظة معينة أن يتحول إلى سني بالكامل، وحين يخاطب الشيعي فإنه يتحول إلى شيعي صِرف، وإذا التقى بالحُكام فإنه يعطيهم اليمين الغليظة أن يظل معهم إلى آخر مقاوم يقاومهم من الشعوب، وفي نهاية المطاف لا تعدو أن تكون كل ادعاءاته أوهاماً في أوهام، فمصلحته هي الأهم وهي فوق كل اعتبار.
الغرب ولأجل البترول يمكن له أن يتلون ألف لون ولون، فهو يدافع عن الأنظمة بذات القوة التي يدافع بها عن السنة والشيعة والأكراد والأرمن واليهود والمسيحيين والأقباط.
الفوضى الطائفية والعرقية التي أجج الغرب نارها وامتد سعيرها في كل أرجاء العالم العربي في غضون أقل من عام، كشفت مستوى ضحالة الشرق من حيث قناعته بأهمية صيانة وجوده وحفظ مصالحه، فاستطاع الغرب أن يطحن الطوائف طحناً دون أن يترك له في كل ذلك بصمة تثبت جريمته، فالتناحر بين أصحاب المذاهب هو ما كان يريده الغرب.. وهذا ما حصل.
يستطيع الغرب أن يلبس قناعاً رسمياً أمام الحكام يبين لهم مدى أهمية بقائهم في الحكم، ومن تحت الطاولة يلتقي بالشعوب يخبرهم بأنه سيساعدهم على تحقيق الديمقراطية، وبين هذا وذاك، يقوم بالالتقاء بأصحاب المذاهب ليؤجج فيهم الصراع المذهبي، ليكون المشهد في نهاية المطاف كالآتي؛ دولاً مفككة، وحكاماً وأنظمة قاب قوسين أو أدنى من السقوط، وشعوباً تتنفس الطائفية الكريهة وتتقاتل فيما بينها على (لا شي).
هذا هو الغرب لن يتغير، ولن تتغير قواعد لعبته ومقادير الثوابت الخاصة بمصالحه، فهو في كل مرَّة يجبرنا على أن نتصارع فيما بيننا، ومن ثم نقوم جميعنا بدفع كل فواتير الصراعات والحروب (كاش)، بينما الغرب يظل يمارس هوايته بتفتيتنا وتأليب أصحاب المذاهب على بعضهم البعض، حتى ينساب النفط من تحت عروش الأنظمة وأرجل الشعوب بكل هدوء نحو غرب لا تغرب عنه الشمس، ولا عزاء بعدها للظلاميين.