منذ سنوات تبنت جماعة الولي الفقيه بعد إشهارها كجمعية سياسية، حملة القوائم العددية للسنة والشيعة في المواقع الحكومية، وحملت معها قوائم وإحصاءات وأعداداً ودراسات رقمية فيها نسب وأسماء وحسابات، تفصل بين السنة والشيعة في الوظائف والمراكز الحكومية، وجابت بها القارات الست، وللأمانة لست متأكدة أن الأرقام التي بحوزة الجماعة عرضت في القطب الجنوبي أم لا، لكني متأكدة أنها عرضت في آسيا وأوروبا وأفريقيا والأمريكيتين وأستراليا وبعدة لغات.
وطبعاً لا يفوتنا أن هذه الأرقام أيضاً عرضت في البحرين واستخدمتها هذه الجماعة ولوحت بها في كل ندوة ومحاضرة وعلى مواقعها وبكل وسيلة، بل وحتى كتلة الوفاق النيابية طبعت هذه الأرقام على أوراق ووضعتها في برامج «أكسل» و»باور بوينت» وووو ولاكتها ألسنتهم أكثر مما تلوك السيدات العلكة وهن يجلسن لاحتساء شاي الضحى.
وجاء اليوم ولأول مرة.. أكرر لأول مرة بعد عشرات السنين تتجرأ دراسة وتبين الأرقام الأخرى المعاكسة، أي دراسة تظهر أرقام التمييز ضد الجماعات الأخرى، وتبين نسباً وإحصاءات تمكن الشيعة من بعض المؤسسات الرسمية والخاصة وسيطرتهم على بعض القطاعات بحيث تقلب معادلة الإسطوانة السابقة وتنسفها من أساسها.
وهذا يدل على أن سكوت الأطراف الأخرى -سواء كانت تلك الأطراف هي الدولة بمؤسساتها الرسمية، أو كانوا أصحاب المذاهب والأديان الأخرى من البحرينيين- طوال السنوات السابقة ليس بالضرورة ناجماً عن إقرارهم بأرقام الوفاق، بل هو دليل على أن هذا الطرح كان غير مستحب بالنسبة لهم وغير مطلوب، وألا أحد يحبذ أن يأخذ المحاصصة أو «الكوتا» مؤشراً على إنصاف أو نفي تهمة الطائفية، وهذا ما لا تريد الوفاق أن تفهمه، بأن سكوت الآخرين لم يكن يعني أن ما تروجه صحيح.
أكثر من مرة تم تحذير الوفاق من طرح أسئلة نيابية حول أسماء الموظفين أو المبتعثين أو المستحقين للخدمات، ليس لأن الإجابة مخيفة أو مخجلة، بل لأن السؤال فخ سيقع فيه صاحبه قبل أي طرف آخر.
إنه سؤال طائفي صرف، فالنائب يمثل الأمة، والسؤال المستحق والمشروع كان يجب أن يدور حول معايير التوظيف أو معايير التوزيع، لا عن الأسماء.
خاصة وأننا الدولة الوحيدة التي بها هذا الكم من التعدديات رغم صغر حجمها وقلة تعداد سكانها ومواطنيها، إلا أن الدولة منعت تصنيف المواطنين وفق أديانهم ومذاهبهم في أوراقها الثبوتية، ونص دستورها على عدم التمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس.
ورغم أن البحرينيين يعرفون بعضهم بعضاً، لدرجة أنه بإمكان أي بحريني أن يعرف من الاسم فقط من هو السني ومن الشيعي ومن المسيحي أو من أي ديانة أخرى، حتى لو لم يوجد خانة للديانة أو المذهب في أي من أوراقه الثبوتية، إلا أن البحرينيين امتنعوا عن الحديث عن هذه القسمة رغم أنهم يعلمون سيطرة هذه الجماعة أو تلك على بعض القطاعات، ولم يتحرك أحد لا من النواب ولا من القوى السياسية الأخرى للسؤال عن الأسماء، فذلك الطرح هو المؤشر الطائفي، وحتى حين استخدمت الوفاق قوائم الأسماء ترفعت كل الجماعات الأخرى عن هذا الطرح.
واليوم حين نشرت الدارسة الثانية ولأول مرة تبين بقية الأرقام وتوضح ما أخفته الوفاق واستكملت أجزاء الصورة الأخرى التي تغاضت الوفاق عنها، جاءت الوفاق تجري وتركض من أجل عدم نشر الدراسة المقابلة وتهدد وتشتكي لمجلس اللوردات البريطاني وتقول لهم انظروا الحكومة البحرينية تحصي الموظفين حسب مذهبهم وتقسمهم طائفياً!!! يعني شعارها أنا استخدم الأرقام مسموح، غيري يستخدمها ممنوع!!!!
نقول للذين يتحفظون على رد فعل الجهات الأجنبية من هذا النوع من الدراسات، إننا نتفهم معكم هذا التخوف، ولكنه كالدواء المر الذي تتجرعه رغماً عنك للضرورة، ومن يحرج أمام أي بريطاني أو أمريكي يطرح سؤاله عن هذه الدارسة عليه أن يشير أولاً إلى أن تقسيم نسب الشيعة من السنة في أي مؤسسة ممكن أن يفعله أي طفل بحريني يعطى قاعدة بيانات من الدوائر الإدارية في أي مؤسسة.
ثانياً عليه أن يشير إلى أن الوفاق لجأت لهذا الأسلوب وحاول الجميع ثنيها عنه لأنه لا يتفق وأسس المواطنة ولكنها أبت الإصغاء للعقل كالعادة، فإن اضطررنا للرد على قوائمهم بقوائم فلا حول ولا قوة.
ثالثاً جميعهم حين أتوا للبحرين زائرين «كمراقبين»، كانوا يطرحون الأسئلة الطائفية والدينية على المسؤولين البحرينيين.
الآن حين أجبر الآخرون على تجرع هذا الدواء المر غير المرغوب فيه، والذي حاول الجميع تجنبه وعدم قبوله، يطالبون بإلغائه!!!
إما أن يلغي الجميع ويحرم هذه الأداة وإما أن نستخدمها كلنا.
الدراسة التي نشر جزء يسير منها، تفتح جروحاً كثيرة وتفتح أبواب جهنم كثيرة وفيها إحصاءات وبها نسب.
ملاحظة أخيرة:
نقر أن النسب في النهاية لا تعني شيئاً إن كنا نقيسها بمقياس الكفاءة ومقاييس استحقاق المهنة أو الوظيفة، بمعنى أنه ليس بالضرورة أن المؤسسة التي توظف 50% شيعة و50% سنة مؤسسة غير طائفية.
ولكن أهمية هذه الدارسة تقبع في الرد على المعيار الخاطئ الذي استخدمته جماعة الولي الفقيه بمكيالها وبأدواتها لحسبان التمييز والاضطهاد.
على الهامش:
يقال إنه حين سئل صاحب صحيفة الـ98% شيعة و2% سنة عن تفسيره لوجود نسبة 40% من الشيعة في صحف أخرى يهاجمها ويتهمها بالطائفية ولا يوجد في مؤسسته سوى 2% سنة، فأجاب أن الشيعة غير طائفيين لذلك يقبلون العمل في كل مكان!!! «أشدخل؟!!».. لا تعليق.