يمكنك أن تبني تاريخاً وسمعة لعقود وأن تجعل الجماهير تهتف لك وترفع من شأنك ومقامك، لكنك يمكن أن تهدم كل ما بنيته في لحظة واحدة بسبب موقف متخاذل أو فعل صادم أو –وهذا الأدهى- أن «تبدل» قيمك وثوابتك.
هذا التوصيف ينطبق على كثير ممن كنا نرى فيهم «عروبيين» و»تقدميين» و»ليبراليين» يفترض أنهم امتداد للرعيل الأول من حركات وطنية «عروبية» بحتة في عروبتها وانتماءاتها مثل جبهة التحرير والجبهة الشعبية.
كل التاريخ النضالي لشخصيات شكلت النواة لهذه الحركات تم «تدنيسه»، نعم أقولها وبملء الفم، تم رمي كل هذا في «مزبلة التاريخ» من قبل أناس «ألصقوا» أنفسهم بفكر هذه الجماعات، «ألصقوا» أنفسهم «لصقاً» بهم لينتحلوا شخصية «التقدميين» و«العروبيين» و«الوطنيين»، لأن تقادم الزمن كشف كيف لا يؤمن هؤلاء بتلك الثوابت والأفكار بل أرانا كيف يبيع هؤلاء مبادئهم وثوابتهم التي يدعون أنهم يمتلكونها أصلا بالتوارث عن الرعيل الأول هكذا في «غمضة عين»، كيف يتخندقون مع «كارهي العروبة» مع أتباع «العمامة المذهبية» وهم مدعو العلمانية وعدم خلط الدين بالسياسية، بل الكارثة العظمى حينما يدعون أنهم كانوا أساس الحركة النضالية ضد التحرر من الاستعمار باسم العروبة والوطنية، لكنهم اليوم يعملون مع طوابير خامسة لدعم «استعمار» صفوي إيراني طائفي عنصري للبحرين يدين بالولاء والطاعة للخامنئي الذي لا يجرؤون على انتقاده وهم «التقدميون»، لا يجرؤون على مخالفة أوامر جمعيته التابعة له هنا في البحرين، والتي حينما أمرتهم بالخروج لأداء فروض الولاء والطاعة لسفير الخامنئي في البحرين الولي الفقيه عيسى قاسم خرجوا وهم المتشدقون بالدفاع عن العروبة، ومدعو عدم التدثر بسطوة الدين وأنهم مناهضو الطائفية.
هذه الامتدادات لحركات وطنية خاضت «حينها» سجالات عديدة بعض منها مع الدولة نفسها لكنها لم «تبع» الدولة في سوق النخاسة على طامع إيراني أو طامح ولائي لأنها كانت تسعى سعياً «حقيقياً» لإصلاح المجتمع. لكن هذه الامتدادات الحالية صعب أن تقنع أي ساذج بأنها غير تابعة كـ«أذيال» للوفاق تسيرها كيفما تشاء، ومن يتحدى ويقول إننا ندعي ليخرج وليرنا موقفه من إيران التي تستهدف البحرين، ليرنا موقفه من الشق الثاني لقانون الأسرة الذي «تخرس» ألسنتكم عنه لأن الوفاق ومرجعها يحاربونه، «وعد» تكلمت فجاءتها لطمة «وفاقية» أسكتتها، بل أرونا موقفكم العروبي مما يحصل في سوريا من مجازر بيد الخامنئي الإيراني وأزلامه بحق «العرب» الأبرياء.
والله كثير من المنتمين لهذه التيارات إما «مغرر بهم» أو «مخدوعون» بما تقوله الوفاق، أو لا يمتلكون «جرأة» الإعلان عن مواقف صريحة مناهضة لمن يريد قيادتهم من أنفهم، يخافون ذلك خشية أن يتهموا بأنهم باعوا تاريخهم وأنهم خارج تصنيف «المناضلين» أو «المعارضين».
حقيقة؟! أهذا فخر حقيقي لكم أن تكونوا مع أتباع الولي الفقيه وأتباع الخامنئي ضد البحرين العربية المسلمة؟! أهذا فخر حقيقي لكم أن تكونوا مع احتلال «صفيوني» من الداخل، يحرك طوابيره الانقلابية «ريموت كنترول» إيراني وأنتم من تدعون نضالكم السابق ضد الاستعمار لأجل تحرير البحرين؟!
من «مغرر بهم» و«مخدوعين» هم أولئك الذين يظنون أن «إسقاط النظام» سيقود إلى جلب نظام آخر «تقدمي»، يضمن إنشاء الجنة الموعودة على الأرض، وللأسف يبدو بالفعل على غرار المثل البحريني الشهير «القطو العود ما يتربه» أن تجربة «التخوين الوفاقي» بهذه الجمعيات في الانتخابات النيابية لم «تصحصح الغافلين» منهم، بل ظنوا أن الوفاق والحركات الانقلابية الطائفية الأخرى كحق ووفاء وأشرار البحرين «سيتكرمون» عليهم بمناصب رفيعة في «الجمهورية المشيمعية» أو «الدولة المدنية الوفاقية» برعاية الولي الفقيه خادم الخامنئي. أفعلاً تظنون أنهم سيضعون لكم أي اعتبار حينما ينالون مرادهم؟! أتظنون أنه حينما تتحول البحرين لقطعة من إيران يحكمها تابع للخامنئي سيكون لأي «ليبرالي» يقول أنا أنتمي للمذهب السني أو أنا سني ومقترن بشيعية أو خلافه، أتظنون أنه سيكون له موقع بخلاف «سلة المهملات» لأن تاريخ «الصلاحية» له سيكون انتهى، فقد استخدم ليقال «إخوان سنة وشيعة» وليتم الادعاء بأن «السنة» معهم في الانقلاب، وليقال إن جمعيات «ليبرالية» أيضاً مشتركة فيما يحصل في البحرين من أحداث.
من يقود هذه الأطياف اليوم ممن ينتمون لها كلهم نذكر لهم مواقف تبين طائفيتهم وميلانهم لما تقوله الوفاق مذهبيا، لا تغرنكم بدلات «الأفندية» وادعاءات الليبرالية، كلهم ذهبوا ليركعوا تحت صورة عيسى قاسم، هؤلاء أبسط ما سيفعلونه هو «فسخ» ارتباطهم بالجمعيات الليبرالية وتفعيل «عضويتهم المجمدة حالياً» في الوفاق خاصة أن شرط اتفاق «المذهب» موجود.
لست أتجنى هنا، لكن الفئة الثالثة منهم وأعني الذين لا يمتلكون «الجرأة» في مخالفة ما تريده الجماعة حتى لا يقال عنهم «انقلبوا على مبادئهم» أو «باعوا تاريخهم» الذي بيع أصلاً خاصة من «السنة»، هؤلاء يعرفون تماماً ما نقول عنها، يعرفون تماماً كيف تدار الجمعيات الليبرالية التي أصبحت فرعاً للوفاق ومن يديرها، وكيف أن صراعات داخلية موجودة بسبب ذلك لكن يتم التكتم عليها حتى لا يتم «التشفي» بهم و«الشماتة» فيهم.
والله عيب، تدعون أنكم امتداد لأصول هذه الحركات، تلصقون بالشملان والذوادي والنعيمي وغيرهم أموراً نجزم بأنهم لن يتفقوا معكم بشأنها، وكيف يتفقون أصلاً على «بيع» وطن لطائفيين يدينيون بالولاء والطاعة المطلقة للخامنائي؟! والله لو كانوا موجودين لألبسوكم «عاراً» ما بعده «عار»، ليس بسبب تحالف «الليبرالي» مع «المتطرف المذهبي الطائفي»، بل بسبب تحول «الليبرالي» لتابع ذليل يمسح «جوخ» الوفاق ولا يجرؤ على مخالفتهم بكلمة.
عموماً لمن مازال يمتلك ذرة تمسك بفكره «التقدمي» وتاريخه «العروبي» نوجه له سؤالاً وليجب عليه بينه وبين نفسه: لو أبدلتم النظام البحريني بما تسعى له الوفاق والانقلابيون معها، لو أبدلتموه بنظام سيعمل بنفس طريقة النظام الإيراني (ولا تقولوا لن يفعلوها وتذكروا الضربة على رؤوسكم في الانتخابات)، أتظنون أنه بكل سهولة بعدها يمكنكم أن تبدلوا هذا النظام إن أثبت طائفيته وكشف وجهه الحقيقي؟! انظروا إلى إيران المحكومة طائفياً بالحديد والنار منذ مجيء الخميني وإعلان الثورة «الشيعية» التي لا تعترف لا بسنة ولا شيئاً آخر، هل يمكن تبديل هذا النظام الذي يصفي معارضيه ويشنقهم على أعمدة الإنارة بلا محاكمات؟! أجيبوا في قرارة أنفسكم.. لأننا نعلم أن ألسنتكم مربوطة لا تنطق «علانية» إلا بما تريده الوفاق وأتباع الولي الفقيه، ولنا في موقفكم «الذليل» من سوريا خير مثال.
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}