الأحداث الغريبة التي مرت ولا تزال على مجتمع البحرين المشهود له بتماسكه وتآلفه وتضامنه وتكافله والتزامه بالدين والأخلاق أسفرت عن كثير من السلبيات التي أثرت فيه، فصار مرتعاً للأحقاد وللمواقف السالبة وغير المقبولة من أفراد يمثلون بلاداً ممتلئة ثقافة وخلقاً.
أهل البحرين بطبيعتهم يتميزون بإيقاعهم الهادئ البطيء وبتقبلهم للحياة وما يكتنفها من ظروف، لكنهم بعد كل هذا الذي جرى في العامين الماضيين ولا يزال مستمراً أثر فيهم تأثيراً كبيراً حتى بات من كان يعرفهم يشكك في معلوماته، فما يراه اليوم في كل مكان ليس مجتمع البحرين ذا الصفات المتميزة عن المجتمعات الأخرى.
لعل أبرز ما أسفر عن الذي دار على البحرين من آثار هو القلق والتوتر الذي بات أمراً مشتركاً بين الجميع؛ مواطنين ومقيمين، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، والذي نلمسه في الشوارع خصوصاً في أول النهار ووقت انصراف الموظفين من العمل ظهراً، ونلمسه في التعامل اليومي مع بعضنا البعض حيث صرنا بالكاد يتحمل أحدنا الآخر وبالكاد يستوعبه. لم يعد في قاموس الإنسان البحريني مفردات ظلت طويلا تتصدره وتعبر عن معدن هذا الإنسان وتميزه، غابت الابتسامة وغابت الضحكة ولم يعد للنكتة التي تميز روحه مكاناً (جرب سرد نكتة لشخص أو مجموعة، تجدهم يسمعونك وهم ساهمون وتنتهي من سردك فلا يضحكون، وإن ضحكوا تعرف أنهم لم يستوعبوك) ففكرهم في مكان آخر، وقلبهم مشغول بهموم كثيرة يلخصها سؤال من شقين هو؛ لماذا حدث كل هذا؟ ولماذا هو مستمر إلى الآن؟
للأسف صرنا دون القدرة على الإفلات من حالة الكآبة التي صرنا فيها بسبب تلك القفزة المجنونة في الهواء قبل عامين ونيف والتي من الواضح أنه لا يراد لنا الخروج منها، حيث لا يزال عقل ذلك البعض الذي نفذ تلك القفزة يتفتق عن «إبداعات» تؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار، ففي كل يوم يبرز سبب لتنظيم فعالية تصب في هذا المسار، وفي كل يوم يخرجون بموضوع يراد منه التشكيك في توجهات الدولة ونيتها ويؤدي إلى إزعاج السلطات.
قبل يومين مثلاً وبعدما انتهت قصة الامتحانات وما تم تناقله من منع بعض المحتجزين والصادرة في حقهم الأحكام القضائية من أدائها وهو ما لم يكن دقيقاً، تم طرح موضوع البعثات التعليمية وأشيع أن وزارة التربية والتعليم صارت تبرر عدم حصول بعض المتفوقين على بعثات حسب رغباتهم بأنهم لم يكونوا مقنعين في المقابلة الشخصية التي صارت تجرى لهم، وهو الموضوع نفسه الذي تم تصديره في العام الماضي، لكنهم هذه المرة سعوا للاستفادة من تغريدة قاسية لوزير سابق في هذا الخصوص تقول «اعتماد المقابلة الشخصية بدلاً من التحصيل العلمي فقط مقياساً لتوزيع البعثات الجامعية هو جريمة بحق هذا الجيل وبحق الوطن ومستقبله»، حيث اعتبروا كلامه حقيقة لا تقبل التشكيك فهاجوا وماجوا، وزاد من ذلك ترويج الوفاق لمقولة إن البعثات توزع بسرية وبمعايير غير وطنية وتعتمد إقصاء المستحقين لها، ما حدا بمدير البعثات إلى التصريح أن المعدل التراكمي هو الأساس في البعثات، وأن المقابلات هدفها تبصير الطلبة وللتقليل من عملية تغيير البعثات والتخصصات لاحقاً، والتي عانت منها هذه الإدارة في السنوات الماضية بسبب حصول الطلبة على تخصصات يتبين لهم بعد قليل أنهم دون القدرة على مواصلة السير فيها فيسعون إلى تغييرها، الأمر الذي يتسبب في مشكلات كثيرة لهم وللوزارة.
الحال نفسه يتكرر مع الفعاليات، فلكل يوم فعالية ولكل فعالية مبرر، من ذلك الفعالية التي يعتزمون تنفيذها غداً في العاصمة والتي من الواضح أنها لا تهدف إلا إلى إزعاج السلطات.