نجاح الخطط التنموية والتطوير والتحسين المستمر، لا سيما في ظل عصر التغيير السريع والانفجار السكاني وتعدد واختلاف الموارد البشرية والمادية، يقاس بما تستند عليه من بيانات ومعلومات ومؤشرات إحصائية صحيحة ودقيقة عن مختلف المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية والسياسية. ولا بد أن تكون هذه البيانات والقراءات الإحصائية متجددة وموائمة لكل ما يستجد على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي بما يلبي احتياجات العملية التنموية. وبالتالي فإن أسلوب الاعتماد على الآراء الشخصية والاجتهاد والارتجالية في عمليات التخطيط والتطوير واتخاذ القرارات بعيدا عن لغة الأرقام والقياس الإحصائي سيؤدي حتما إلى الفشل في الوصول إلى المستوى المأمول من التنمية وبطء في عملية التطوير والتحسين المستمر.
أيضا لكي يتم التخطيط والتطوير بشكل صحيح والوصول إلى قرارات سليمة لابد أن تكون البيانات والمعلومات الإحصائية التي تم الاستناد إليها صحيحة وذات دقة وذات جودة عالية، لأن ما بني على خطأ فهو خطأ، وهذا بدوره يقودنا إلى قضية الاهتمام بعملية الحصول على البيانات وجمعها وفق طرق إحصائية علمية صحيحة.
إن الشفافية والمصداقية والنزاهة والوعي بأهمية إتاحة البيانات والمعلومات والمؤشرات الإحصائية الصحيحة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات والمنظمات بشقيها الخاص والعام، يوفر مصدراً جيداً للبيانات والمعلومات التي تلبي احتياجات المخططين والمطورين وأصحاب القرار والباحثين للوصول إلى الخطط التنموية السليمة واتخاذ القرارات الصحيحة، وإيجاد الحلول للقضايا المختلفة والتي من شأنها الإسهام في بناء المجتمع والرقي بحياة الأفراد على مختلف الأصعدة التعليمية والاقتصادية والصحية والأمنية.
وقد ظهرت الحاجة ملحة لاستخدام أساليب التحليل الإحصائي في الإدارة نتيجة لضمانة حجم المشروعات والمؤسسات الحديثة، حيث أصبحت المشكلات الإدارية فيها على درجة عالية من التعقيد، وصارت الأساليب التقليدية التي تعتمد على الخبرة الذاتية لمتخذ القرار والتجربة والخطأ غير فعالة. ومن ناحية أخرى فإن نتائج القرارات إن لم تكن محسوبة ومقدرة تقديراً صحيحاً قد يترتب عليها إضرار وخسائر لا يمكن تعويضها.
ويلاحظ أن فكرة تطبيق الطريقة العلمية لحل المشكلات الإدارية المختلفة يرجع تاريخها إلى حركة الإدارة العلمية التي اعتمدت على جهد كثير من العلماء في أوائل القرن الحالي، والذين كرسوا جهدهم لحل المشاكل الناتجة عن نمو الصناعة من ناحية ونقص العمالة من ناحية أخرى وذلك في الولايات المتحدة، وكان أبرزهم فرديك تيلور وسعت هذه الحركة إلى إحلال الأساليب العملية محل التجربة والخطأ والخبرة الذاتية في اتخاذ القرارات الإدارية، وقد ساهمت هذه الحركة في تطور الفكر الإداري واستخدام الطرق الإحصائية في زيادة كفاءة العمل.
ومن أهم الأساليب التي تستخدم في الاستخدام الأمثل للموارد أسلوب البرمجة الخطية بسبب جهود دانتزج في هذا المجال وتستخدم البرمجة الخطية لمعالجة كثر من المشاكل في المجال الإداري والصناعي مثل التكوينة المثلى من المواد الخام والتكوينة المثلى من المنتجات وكيفية توزيع المنتجات من المصانع إلى الأسواق وغيرها. وكذلك أسلوب تقويم ومراجعة البرامج طريقة المسار الحرج منذ أواخر الخمسينيات في تخطيط المشروعات الكبيرة ومتابعة تنفيذها وأثبت هذان الأسلوبان فعالية كبيرة في تخفيض زمن وتكلفة تنفيذها.
وكان أبرز تطبيق لأسلوب تقويم ومراجعة البرامج في البرنامج المعروف باسم برنامج بولاريس في البحرية الأمريكية وذلك لإطلاق الصواريخ بواسطة غواصات متحركة ويتكون هذا البرنامج من عدد كبير جداً من الأنشطة المرتبطة التي نفذ بعضها في أكثر من سنة وتم إنجازه قبل الوقت المحدد بسنتين مع تخفيض كبير في التكلفة بفضل تطبيق هذا الأسلوب.
وقد تم تطوير هذه الأساليب حتى تناسب المشاكل التي تستخدم لمعالجتها، فعلى سبيل المثال طورت أساليب لمعالجة مشاكل طوابير الانتظار وضبط المخزونة واتخاذ القرارات في الحالات غير المؤكدة واتخاذ القرارات في الموقف التنافسية وغيرها. وقد قامت كثير من المنشآت بإعداد بعض العاملين بها للعمل في مجال الإحصاء، واهتمت الجامعات ومراكز البحث العلمي بإدخال أساليب الإحصاء في خططها الدراسية والبحثية، وظهرت برامج لمنح الدرجات العلمية.
كلية إدارة الأعمال - جامعة البحرين