دائماً ما كانت الشرعية السياسية محور الصـراع فــي منطقــة الشــرق الأوسط، فهناك الخلاف حول شرعية الحاكــم، والخــلاف حــول شرعيــة النظام الحاكم، والخلاف حول شرعية مؤسسات الدولة، والخلاف حول شرعية الدساتير، والخلاف حول شرعية القوانين الوطنية.
5 أزمات في الشرعية السياسية تواجه الدول العربية تبدأ من شرعية القوانين الوطنية، وتنتقل تباعاً إلى الدستور، ومؤسسات الدولة، والنظام الحاكم، وشخص الحاكم نفسه.
الدول العربية التي طالها التغيير السياسي على مستوى النخب خلال ما يسمى بالربيع العربي تواجه هذه الأزمات الخمس في وقت واحد، ولكن الدول التي لم تشهد هذا التغيير تواجه الأزمات بشكل مختلف، بمعنى أن الأزمات فيها جزئية، فهي لا تواجه جميع الأزمات الخمس، وإنما تواجه أزمة أو اثنتين على أكثر تقدير.
مثل هذه الأزمات تنخر في الأنظمة السياسية العربية حتى تلك الأكثر استقراراً على المدى الطويل، وبالتالي تؤثر على بنيتها السياسية، وعلى وجود الدول العربية نفسها.
دول مجلس التعاون الخليجي كانت الأكثر بعداً عن مثل هذه الأزمات لعقود طويلة بسبب اعتمادها على مبدأ الريع، ومبدأ الإنجاز لاستمرار الشرعية السياسية، وهو ما ساهم في إنهاء معظم الأزمات الخمس نهائياً. ولكن لماذا عادت مثل هذه الأزمات كلياً أو جزئياً تزامناً مع موجة التغيير السياسي في الدول العربية مؤخراً؟
فـــي البحريــــن نجــــد أن أزمــــات الشرعية الخمس ضربت البلاد في 2011، ولكنها تراجعت بعد اتخاذ مجموعة من الإجراءات لحفظ الشرعية السياسية في الدولة. ويمكن ملاحظة أن حتى الجماعات الراديكالية ليس لديها القدرة الآن على التشكيك في شرعية الحكم أو النظام، ولذلك نجد معظم خطابها السياســي يتـــراوح بيـــن الطعـــن في شرعية مؤسسات الدولة، أو الدستور، أو القوانين الوطنية.
المشهد الحالي بتعقيداته يتطــلب تطويـــر آليـــات وأدوات جديـــدة للشرعية السياسية، ولا يمكن الحديث هنا عن المزيد من الإصلاح السياســـي، لأن الأخيــر بــات خيـاراً غير مناسب للأوضاع الجارية في المنطقة العربية. فلا يمكن الحديث عن معالجة أزمة شرعية الحاكم في مصر بمزيد من الإصلاح السياسي، فالمعادلة هنا مختلفة.
مستقبل الشرعية السياسية في الدول العربية بحاجة إلى أدوات جديدة، فلا الاستفتاءات باتت مقبولــة لــدى الشعــوب العربيــة، وكذلـــــك الديمقراطيـــــة بكـــــل تفاصيلها، وحتى التداول السلمــي للسلطة، فالبيئة السائدة اليوم مختلفة تماماً عن أي بيئة مرّت على دول المنطقة، لأنها بيئة تقوم على تكريــس استقــرار الفوضــى، ومن سمات استقرار الفوضى غيــاب الشرعية السياسية.